الصفا والمروة من شعائر الله وشعائر الله لاتغير
وقد علتهما المباني وصار ما بينهما سوقاً - إلى أن قال:
وهذا النوع يوقف فيه عند نص ما شرعه الله تعالى لا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يقاس
عليه ولا يؤخذ فيه برأي أحد ولا باجتهاده. إذ لو أبيح للناس الزيادة في شعائر
الدين باجتهادهم في عموم لفظ أو قياس لأمكن أن تصير شعائر الإسلام أضعاف ما كانت
عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يفرق أكثر الناس بين الأصل المشترع
والدخيل المبتدع انتهى.
قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: (1/139)، والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة أي من أعلام مناسكه
والمراد بها موضع العبادة التي أشعرها الله أعلاماً من الموقف والمسعى والمنحر
انتهى.
وقال ابن عطية في تفسيره (2/73)،:
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)،
معناه من معالمه ومواضع عبادته انتهى.
وقال الإمام البغوي في تفسيره: (1/132)، وإنما عنى بهما الجبلين المعروفين بمكة في طرفي
المسعى ولذلك أدخل فيهما الألف واللام وشعائر الله أعلام دينه أصلها من الإشعار
وهو الإعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلماً لقربات يتقرب به إلى الله من صلاة
ودعاء وذبيحة فهو شعيرة فالمطاف والموقف والنحر كلها شعائر لله. ومثلها المشاعر
والمراد بالمشاعر هنا المناسك التي جعلها الله أعلاماً لطاعته. فالصفا والمروة
منها - انتهى.
وقد تبين من هذه النقول أن معنى كون الصفا والمروة من
شعائر الله أنهما علمان على بداية الشوط في السعي ونهايته ويكون السعي بينهما
ذهاباً وإياباً فما خرج عن محاذاتهما من السعي فإنه لا يصح كما أن من تعداهما
بداية ونهاية فقد زاد في السعي. إذاً فالسعي محصور فيما بينهما يبدأ كل شوط من
الصفا ويختم بالمروة والصفا والمروة محددان مرتفعان يصعد عليهما وينزل منهما أثناء
السعي ولذلك كان عمل المسلمين في المسعى التقيد بمساحة المسعى طولاً وعرضاً فيما
بين الصفا والمروة وما خرج عنهما فليس من المسعى فلا تجوز الزيادة في مساحة المسعى
عما بين الصفا والمروة طولاً وعرضاً. ولم يجرؤ أحد على الزيادة على ذلك عبر
التأريخ حتى في عصر الجاهلية. كما لا تجوز الزيادة في مساحة منى ومزدلفة وعرفات
خارج حدودها، لأن الزيادة في ذلك من تغيير شعائر الله التي حددها لعباده وأخبر أن
تعظيمها والتقييد بها من تقوى القلوب فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ)، وذلك بالزيادة فيها أو النقص منها أو الاستهانة
بها ومن ذلك الصفا والمروة فلا تجوز الزيادة على ما هو موجود وبارز منهما ومتوارث
عبر القرون. فالحفر لأجل البحث عن زيادة على الموجود تنقيب وتكلف لم يأمر الله به
ولا رسوله ثم إن المطمور تحت الأرض لا يمكن إلحاقه بالمشعر البارز من غير دليل من
كتاب ولا سنة ثم هو لا يأخذ حكم المعلم والمشعر البارز من حيث الصعود عليه والنزول
منه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بل هو إما أن يبقى على حاله منخفضاً ينزل
إليه ويصعد منه وهذا عكس المشروع وإما أن يبنى فوقه بناء يساويه بالمشعر وهذا
البناء لا يأخذ حكم المشعر وما بين البناءين لا يأخذ حكم المسعى.
وأما الذين أفتوا بأن الزيادة لها حكم المسعى فلم
يعتمدوا على شيء. وقد اختلفوا في مستنداتهم فمنهم من يقول إن المسألة خلافية ولولي
الأمر أن يختار ما يرى فيه المصلحة فنقول لهم: متى حدث الخلاف إنه لم يعرف في
المسألة خلاف إلا قريباً ولم يعتمد المخالف على مستند صحيح وأيضاً مسألة المسعى
مسألة تعبدية ليست محل اجتهاد ونظر فالمشاعر توقيفيه لا مسرح للاجتهاد فيها.
وقولهم إن التوسعة ضرورية لشدة الزحام. نقول لهم: التوسعة تكون أفقية بزيادة
الأدوار فوق المسعى كالأدوار فوق الجمرات كما رأت ذلك اللجنة العلمية برئاسة الشيخ
محمد بن إبراهيم وكما في قرار هيئة كبار العلماء. لأن الهواء يحكي القرار.
والذين شهدوا على امتداد الصفا والمروة شهادتهم مخالفة
للواقع المشاهد ومخالفة لما درج عليه المسلمون من اعتبار المسعى محصوراً فيما بين
الصفا والمروة البارزين فلو علموا أن هناك زيادة لأدخلوها فيه لأنه لا يجوز انتقاص
أرض المشاعر ولا الزيادة فيها لأن هذا يتنافى مع حرمتها وعليه فلا تجوز الزيادة في
مساحة المسعى. وولي الأمر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ممن يعظم شعائر الله
ويحميها. وكما قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: يسعنا ما وسع من قبلنا
ولا تكون المشاعر مسرحاً للاجتهادات والنظر ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح
أولها. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
- Log in to post comments