السحر والسحرة



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام علي نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلي آله وصحبه أجمعين... أما بعد،

فإن الإسلام ولله الحمد دين كامل ما ترك شيئا للبشرية فيه خير في آجل أمرها وعاجلها إلا بينه وأمرها به وما من شيء فيه شر علي البشرية في عاجل أمرها وآجله إلا بينه وحذرها منه ومن ذلك قضية السحر فإنه آفة اجتماعية وشر مستطير يغير العقائد ويغير الأبدان ويغير العقول ويؤثر في المجتمع تأثيرا سيئا ويسلط الشياطين علي بني ادم وهو شر مستطير وكان موجودا في الأمم السابقة تاريخ وجوده قديم في البشرية فكان قوم فرعون يتعاطون السحر وفيهم سحرة وكانوا يتعلمون السحر ويمارسونه ويعتمدون عليه ولذلك لما جاءهم موسي عليه الصلاة والسلام رسولا من عند الله يدعوهم إلي التوحيد والي عبادة الله وحده والإيمان به وصفوه بأنه ساحر واتهموه بالسحر قال تعالى: (قَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) [سورة الأعراف: 109. 110] وصفوه أو اتهموه بأنه جاءهم بالسحر وأنه يريد بهم الخير فهم تأمروا عليه. عليه الصلاة والسلام وأشاروا علي فرعون أن يخرج السحرة وان يخرج معهم موسي فيعرض ما معه ويعرضون ما معهم ليبينوا انه ساحر فلا يغتر به أحد ولكن القضية انعكست عليهم وان الذي مع موسي ليس هو سحرا وإنما هو من أمر الله سبحانه وتعالي معجزة جعلها الله دلالة علي صدق موسي عليه السلام ولما اجتمع المشهد وحضر الناس وكان مشهدا هائلا جاءوا بسحرهم قالوا لموسي إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين فالقوا سحرهم وحصل منه شيء عظيم جاءوا بسحر عظيم كما قال جل وعلا وأوجس في نفسه خيفة موسي من هذا المشهد فطمأنه الله سبحانه وتعالي وأمره إن يلقي عصاه الذي ليس هو من سحر وأن ما فيه سحر فألقي عصاه فالتهم كل السحر الذي ألقوه في الوادي ثم أقبل عليهم يريد أن يلتهمهم عند ذلك أمر الله موسي أن يأخذه فأخذه فعاد كما كان العصا عاد كما كان سيرته الأولي كما قال الله جلا وعلا فعند ذلك علم السحرة إن هذا ليس بسحر وإنما هو أمر من عند الله جل وعلا فتركوا وآمنوا بموسي وسجدوا له والقي (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [(120: 122) سورة الأعراف] عند ذلك أسقط في يد فرعون وانقلب الموقف ضده واُخزي وفشل.

 وانتصر موسى عليه السلام وانتصر الحق فعند ذلك هدد السحرة وتوعدهم بالقتل ولكنهم صبروا وثبتوا علي إيمانهم (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [(72: 73) سورة طـه] ثبتوا علي إيمانهم فقتلهم فرعون وماتوا شهداء ولقوا ربهم شهداء فالحاصل أن هذا السحر كان موجودا في أهل الفراعنة في مصر فهو قديم وصفوا موسي قالوا ساحر عليم (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ) [(49) سورة الزخرف] وكذلك فاليهود في عهد سليمان عليه السلام لما سخر الله له الجن والمردة وكانوا الشياطين يأتون بالسحر ويخبئونه في أمكنتهم فلما مات سليمان عليه السلام ووجدوا السحر قالوا إنما سليمان كان يسلط المردة والشياطين بالسحر فالله نفي ذلك عن نبيه سليمان وقال (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) [(102) سورة البقرة] فالله جل وعلا نفى عن نبيه السحر وأسنده إلي الشياطين وان الشياطين هم الذين جاءوا بالسحر فهو عمل شيطاني ويعلمونه للناس فالسحرة يتلقون سحرهم عن الشياطين ومن تعليم الشياطين فهو ميراث شيطاني وكذلك المشركون والكفرة واليهود في عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اتهموه بالسحر كإخوانه من النبيين والله نفي ذلك عنه قال سبحانه وتعالي: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [(52) سورة الذاريات] فالسحر إذا قديم وهو من عمل الشياطين وهو يضاد دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .