كلمات رمضانية
( فضائل شهر رمضان)
ليلة الخميس/1/رمضان 1439
للشيخ
صالح بن فوزان الفوزان
حفظه الله ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نهنئ أنفسنا، ونهنئكم، ونهنئ جميع المسلمين بهذا الوافد الكريم، شهر رمضان المبارك، جعله الله موسم خيرٍ ورحمة لنا وللمسلمين، نسأله أن لا يحرمنا فضله، وأن لا يحرمنا ما فيه من خيرٍ، وبركةٍ، وإحسانٍ؛ فهو شهر عظيم حله الله على الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، رحمةً، ومنحةً، ونعمةً منه سبحانه وتعالى.
كان رجلان ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم، كانا مجتهدين في العبادة، فمات أحدهما قبل الآخر، فرئـي-رئـي- المتأخر وفاته، رئـي فوق الذي توفي، فوق أخيه الذي توفي، وكانا مجتهدين في العبادة على حدٍ سواء، فرؤي الذي تأخرت وفاته متفوقًا على الذي مات قبل ذلك، تعجبوا من ذلك، كيف يتفوق عليه وهما كانا متساويين في العبادة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس صلى كذا وكذا بعده"، قالوا: " بلى"، قال: "أليس أدرك شهر رمضان فصامه وقامه"، قالوا: " بلى"، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن بينهما لكما بين السماء والأرض".
فدل هذا الحديث على أن من طالت حياته وهو مسلم، مؤمن أنه يزيد أجره على من تقدمت وفاته؛ ولو كان بزمنٍ يسير، وهذا فضلٌ من الله سبحانه وتعالى، وها هو شهر رمضان بخيراته، وبركاته، وما فيه من الخير الكثير، قد حل علينا ضيفًا كريمًا، ووافدًا عظيمًا، نسأل الله أن يرزقنا من خيراته، وبركاته، وأن يمنحنا مما فيه من الخير، والإحسان.
اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وطاعة الرحمن، يا كريم يا منان، فهذا أعظم ما يستبشر به المسلم؛ أن يدرك شهر رمضان.
في أول ليلة من رمضان ينادي منادٍ: "يا باغي الخير أقبل"، في أول ليلةٍ من رمضان يصفد الشيطان بالأصفاد التي كان قبلها طليقًا في بني آدم، يصفد في أول ليلة عن المسلمين، لا عن كل أحد، يصفد عن المسلمين، فلا يؤذيهم، ولا يوسوس لهم، ولا يتمكن من إضلالهم، فهذا من ما أودعه الله في هذا الشهر، وينادي منادٍ: "يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر"، يا باغي الخير أقبل إلينا، وأغتنم هذه المدة والفرصة العظيمة، أقبل على الله سبحانه وتعالى، أقبل على طاعة الله، "يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر"، يعني يرجع عن المسلمين، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة، أن الله يعتق في ليالي رمضان، يُعتق من استحق دخول النار، إذا تاب في هذا الشهر وأقبل على الله أعتقه الله من النار.
فهذا الشهر فيه خيراتٌ، وفيه بركاتٌ، وفيه منحٌ من الله، لا تُحصى، ولكل مسلمٍ منها نصيب، فمنهم المستكثر من النصيب، ومنهم المقل، ومنهم من يُحرم خير هذا الشهر.
فهو شهر عباداتٍ وطاعاتٍ، جميع أوقاته ليله ونهاره، ساعاته وأوقاته كله خير لا ينبغي التفريط فيه؛ لأن كثيرًا من الناس اليوم لا يعرفون شهر رمضان إلا أنه شهر السهر بالليل على القيل والقال، والنوم في النهار حتى عن الصلوات الخمس، ولا يستيقظ إلا عند غروب الشمس للإفطار، ويصلي الصلوات التي فاتت عليه في آخر النهار، والله أعلم هل تقبل هذه الصلوات أو لا، لكنه حُرم خيرًا كثيرًا بهذا النوم وهذا الكسل، الليل يسهر على القيل والقال، واليوم يسهرون على الفضائيات و على ما يبث في هذه المحطات، يسهرون عليها، وفيها ما فيها من الشرور، ثم إذا تسحروا وملئوا بطونهم من الطعام ناموا، إلى أخر النهار، ناموا عن الصلوات الخمس، أي صومٍ هذا؟ هذا صار شهر الكسل والخمول وإضاعة الصلاة.
إضاعة الصلاة ليس معناها تركها بالكلية بل إضاعة الصلاة إضاعة وقتها، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ﴾[مريم:59]، ليس معناها أنهم تركوها، لكن أضاعوا أوقاتها، والله لا يقبلها إلا في وقتها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]، فيجب الانتباه لهذا الأمر، والحذر من الغفلة، الحذر من الكسل، خذ راحتك من النوم لا بأس، ما لم تفرط في الصلاة، خذ راحتك من النوم؛ ولكن لا يكون النوم مسيطرًا على وقت، على وقتك الثمين، ووقت رمضان الشريف الذي يمكن ألا تدركه غير هذا العام، فتُحرم من البركات، والخيرات، والدرجات العالية، بسبب كسلك وغفلتك، وبسبب مرافقتك للأشرار الذين لا خير في مرافقتهم، فإن اللائق أن الإنسان يجلس في المسجد في رمضان، يُكثر من الجلوس في المسجد؛ ليتلو القرآن، وليسلم من جند الشيطان، وليشارك المسلمين في عباداتهم، وقرباتهم، هذا هو اللائق بكل مسلم.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصاحبه أجمعين.