المصائب والكوارث التي تحدث بسبب ذنوب الناس ومعاصيهم


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه، جعل الطاعات وفعل الخيرات سبباً لحلول البركات، واندفاع النقمات، وجعل السيئات سبباً للشرور والعقوبات،وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وإلهيته وما له من الأسماء والصفات، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله، المؤيد بالمعجزات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذو المناقب والكرامات،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، وانظروا في أعمالكم، وحاسبوا أنفسكم، وعلموا أن ما أصابكم فهو بذنوبكم قال الله سبحانه وتعالى:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ظهر الفساد في البر والبحر، الفساد في البر بما يصيبوا الأرض من منع البركات، وغور المياه، وانحباس الأمطار، ويبس الأشجار وغير ذلك، وإصابة الثمار وكساد الأموال والتجارات وغير ذلك من أنواع العقوبات التي كلها نشاهدها، ولكن لا نعتبر ولا نبحث عن أسباب هذه العقوبات بل منا وفينا وبين أظهرنا من يكتب ويقول ليست هذه المصائب وهذه الآفات بسبب الذنوب، إنما هذه كوارث طبيعية تجري بدون سبب من الناس وهذا تكذيب لقوله تعالى:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)،تكذيب لقوله تعالى:(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، هذه قسوة للقلوب، والعياذ بالله(فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هذه غفلة عن سنن الله الكونية وإعراض عن تدبر القرآن والاعتبار الذي أمر الله جلَّ وعلا به فيما يجري من الحوادث، ومع هذا يسرحون ويمرحون ولا ينكر عليهم ولا يمنعون من أقوالهم الباطلة ونشرها وكتابتها، قبلهم من قال(قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي:أن هذا يجري على أبناءنا من قبلنا فليس فيه عبرة ولا عظة وإنما هو عادة، ومنهم كما قال الله سبحانه وتعالى من إذا أصابتهم المصائب قالوا هذه بسبب الرسل وأتباعهم:(تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) والسيئة هنا ما يصيبهم في الأرض من القحط والجدب وغلاء الأسعار وغير ذلك، يقولون هذا بسبب موسى عليه والسلام ومن معه من المؤمنين وهكذا يقلون اليوم سوء بسوء هؤلاء المطاوعة والمتشددون هؤلاء منعونا من التقدم ومن الرقي ومن الحضارة ومن ومن ومن التنمية وغير ذلك، من أقولهم الباطلة ولا منكر على هؤلاء فنخشى أن يصيبنا ما أصاب من قبلنا، لأن هذا إذا ظهر في الأمة ولم ينكر عمهم الله بعقوبة عاجلة وعمة الجميع الصالح والطالح (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) تصيبنا هذه المصائب ونكثر من المهرجانات والملهيات وغير ذلك، مما يغفل الناس ويقصي القلوب ويعرض بالناس عن الالتفات إلى معالجة هذه الأمور بل يزيدون منها ويُزيدون، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لم يبقى إلا العقوبة المستأصلة لكن الله سبحانه وتعالى رءوف بالعباد يؤجلهم لعلهم يتوبون(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ) ففساد البر كما تعلمون وكما ترون الآن من انحباس الأمطار وغور الآبار، شح المياه الجدب في الأرض لا تجدوا البهائم ما ترعى لا تجد البهائم في الأرض ما ترعه تقتاد به أنتم السبب في هذا ذنوبكم أصابت البهائم عقوبتها، (وَالْبَحْرِ) كما ترون ما يصوبه من الهيجان وما يسمونه بالتسونامي وما أشبه ذلك لا يسمونه باسمه الصحيح ويقولون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى وإنما هو شيء عادي وطبيعي وكوارث طبيعية أنا لا استغرب من هؤلاء لأن الغالب أنهم إما جهال وإما أنهم ليس عندهم إيمان ولكن استغرب سكوت عن هؤلاء فلا يمنعون ولا ينكر عليهم وما كأنهم فعلوا شيئا (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) قال الله جل وعلا:(بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) هذا هو السبب بسبب ما كسبت أيدي الناس من الكفر والشرك والمعاصي والسيئات والمخالفات، ليذيقهم الله جلَّ وعلا بعض الذي عملوا ليذيقهم شيئا من عقوبات أفعالهم لعلهم يرجعون، لعلهم يتوبون، لعلهم يتذكرون، لعل أولاة أمورهم يأخذون على أيدي سفهاءهم، لعل أفرادهم يتوبون إلى الله، لعل الآباء والأمهات يصلحون بيوتهم ويأخذون على أيدي من فيها من النساء والذرية، لعلهم يرجعون عما هم عليه (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) ولو أذاقهم كل ما عملوا كما قال الله جل وعلا:(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ)، كما قال سبحانه:(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ مقال يتركهم بل قال يؤخرهم إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إما عاجلاً أو آجلاً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً).

فتقوا الله، عباد الله، ثم إنه سبحانه وتعالى أمرنا أن نسير في الأرض للنظر ماذا حدث لأمم السابقة؟ لما كفرت بالله وخالفت أوامر الله، ماذا حل بها؟ وأثراهم تدل على ما حل بهم من الدمار والعقوبات (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) سيروا في الأرض فانظروا ما هو سيروا في الأرض للنزهة أو للإعجاب بالآثار أو للبحث عن الآثار، وإنما سيروا للاعتبار والاتعاظ أن يصيبكم مثل ما أصابهم (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) هكذا يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسير في الأرض للنظر آثار الدمار الذي حل بالأمم السابقة من قوم (وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ)آثارهم باقية، الآثار هذه ما أوجدت نفسها وإنما أوجدها أمم سبقت كفرت بأنعم الله فصب الله عليهم العقوبة وأسلفهم عن أخرهم (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)،(فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) لكن أين الاعتبار؟ أين الاتعاظ؟ الآن أنحبس عنكم المطر، وفنية المراعي، وتحطمت الأشجار، الآن ظهر الغبار الذي ترونه يدخل عليكم في بيوتكم ويصيبكم منه ما يصيبكم من الآثار المرضية لكن أين الاعتبار؟ حتى الزلازل حل بطرفكم فها هو الآن في بلاد العيص وحصل بسببه الجفاء، وحصل بسببه كثير من الرعب والخوف جلوا عن طريقهم بسبب الخوف والرعب ولا يزال الخوف يهددهم، وهم بعيدون عنه ولا يستطيعون الرجوع إلى ديارهم وإن رجعوا فهم على وجل وخوف وترقب، أليس هذا من الآيات والعبر، الحرب اشتعلت في طرف بلادكم وأكلت رجالاً من أبناءكم وأين الاعتبار والاتعاظ والتوبة إلى الله عز وجل، إنما نفخر بقوتنا، ونفخر بجنودنا، ونفخر ونفخر لا نقول هذا بسبب ذنوبنا وبسبب مخالفاتنا، فنغير ما حدث منا إلى الأصلح (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)،(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فلا يحصل رفع هذا الذي أصابنا إلا بتوبة من الله سبحانه وتعالى، نحن نرى الذين يحضرون في المهرجانات، وفي النوادي الرياضية بالآلاف المؤلفة ويتزاحمون، وأحيانا يحصل إصابات بسبب الدهس والزحمة، ولكن المساجد لا يأتيها إلا القليل وعلى كسل أيضا على كسل الآتين إلى المساجد وسرعة خروج على أثري ما تنقضي الصلاة يهربون بسرعة ولا يأتون الصلاة وهم متأخرين، أما النوادي وأما المهرجانات وأما وأما فالآلاف ومئات الآلاف يزدحمون عليها، ويصبرون على الجلوس والانتظار الساعات الطوال، وقد لا يصلون الصلاة في وقتها، فلا حول ولا قوة إلا بالله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ* أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ* أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولِ هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيرًا،    أما بعد:    

أيها الناس، اتقوا الله تعالى، تأملوا في قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ما بكم من العقوبات لا يزال إلا بالتوبة إلا بالإصلاح إصلاح فساد الأرض بالطاعات (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) إصلاحها بالطاعات، فيجب على ولاة الأمور سواً الوالي العام أو ولاة البيوت والأسر أو الولاة في الدوائر أو غير ذلك، كل من تولى أمراً من أمور المسلمين يجب عليه أن يقوم بالواجب نحو هذا الخطر العظيم فيدرأ عن المسلمين هذه المصائب بالإصلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح ما فسد، ويجب على الأفراد كل فرد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى فإن ذنب الفرد تعم عقوبته للجميع إذا لم ينكر كما قال تعالى:(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

فتقوا الله، عباد الله، وتأملوا في هذا الأمر الذي أنتم فيه الآن لا مخرج منه إلا بتوبة صادقة ورجعٍ إلى الله سبحانه وتعالى، وإصلاح لما فسد من أعمالنا وإلا فما عند الله أشد وأبقى.

اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلٌ بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، واجعل وليتنا فيمن خافك واتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولي أمرنا، اللَّهُمَّ أصلح بطانته وجلساءه ومستشاريه، اللَّهُمَّ وفقه للخير والصواب إنك سميع الدعاء، اللَّهُمَّ وفقه لما فيه صلاحه وصلاح الإسلام والمسلمين يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه وإحسانه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.