إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 22-03-1439هـ


التاريخ: 22/3/1439 هـ.

من قول المؤلف: "فصل: وأما المقام الثاني الذي وقع فيه الغلط"

إلى قول المؤلف: "وقال تعالى: {وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرٍّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}"

قال المؤلف:

"فصل: وأما المقام الثاني الذي وقع فيه الغلط، فكثير من الناس يظن أن أهل الدين الحق في يكونون الدنيا أذلاء مقهورين مغلوبين دائما، بخلاف من فارقهم إلى سبيل أخرى وطاعة أخرى،" من الناس من يتنقص من أهل الدين ويظن أنهم مغفلون وأنهم ليس لهم مدى بعيد، ولا يعرفون سياسة الأمور شيئاً؛ ولكن الواقع أن الأمر عكس ذلك: أهل الدينهم هم أهل بصيرة وعلى نور من ربهم، ولكنهم لا يظهرون هذا للناس، والله الذي يظهره؛ فإن أهل الدين عندهم نظر وبصيرة، وعمدتهم كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وفيهما الكفاية في الدنيا والآخرة، والذين يغمسونهم في الحقيقة هم الذين ينقصهم فراسة المؤمنين، بصيرتهم قصيرة ونظرتهم إلى الدنيا فهم قاصرو النظر؛ أهل الدين دائماً وأبداً هم أهل بصير وعلم، وأهل فكر ناضج؛ أما غير أهل الدين إنما ينظرون إلى عاجل الأمر فهم أهل الدنيا، لا يعرفون الآخرة ولا يتعدون لها؛ لأنهم همهم الدنيا، أما أهل الدين هم أهل الدنيا والآخرة ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ فأهل الدين يفكرون في الدين والدنيا والآخرة، يفكرون في الآخرة أكثر من الدنيا؛ فهم أهل بصيرة وأهل الفراسة الصادقة؛ والله وعد أهله بنصره ولا يخذلهم، ولكن غير أهل الدين يظنون أن أهل الدين نظرتهم قاصرة ولا يعرفون الأمور، ويتنقّصونهم.

"فلا يثق بوعد الله بنصر دينه وعباده،" قد تفتح الدنيا على بعضهم من باب الاستدراج ولكنه فتح ينتهي لا يستمر؛ فنظرتهم دائماً قاصرة، إنما هي دنيوية فقط؛ هذا الفرق بين أهل الدين وأهل الدنيا: أن نظرة أهل الدين للدنيا والآخرة، ونظرة أهل الدنيا قاصرة على الدنيا لا يفكرون في الآخرة، إنما أمرهم تطوير هذه الدنيا والصناعات، وهذا متاع قليل ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ والدنيا مشتركة بين المؤمنين والكفار وإن كانت في الأصل للمؤمنين لكن يشارك فيها الكفار ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ففي الآخرة يحرم منه الكفار؛ فالدنيا مهما تطورت تنتعي، وأما الآخرة تبقى ولا تفنى. وأهل الدنيا لا يثقون في نصر الله وتمكينه؛ لأنهم لا يؤمنون بالله، بخلاف المؤمنين مهما ما أصابهم لا ييأسوا من نصر الله، وما أصابهم لا يزيدهم إلا إيماناً وثقة بربهم ويغذّيهم الإيمان الذي في قلوبهم. "بل إما أن يجعل ذلك خاصا بطائفة دون طائفة، أو بزمان دون زمان أو يجعله معلقا بالمشيئة، وإن لم يصرح بها." هذا ظن فاسد؛ لأن نصر الله للمؤمنين عموم ليس لطائفة دون طائفة، وهو مستمر ليس لزمان دون زمان؛ وهم يجعلون نصر الله من القدر فقط لا يعلقونه بالإيمان؛ أن الله نصر المؤمنين بإيمانهم. "وهذا من عدم الوثوق بوعد الله تعالى، ومن سوء الفهم في كتابه." فيه قصص الأولين والآخرين يعتبر من يقرأها بما يجري الله سبحانه وتعالى، هم لا يتدبرون القرآن إنما هي قراءة على الألسن، ليس لها نفوذ إلى بصائرهم، وقد يقرؤونه للحرفة يتأكلون به ويتكسبون به.

"والله سبحانه قد بين في كتابه أنه ناصر المؤمنين في الدنيا والآخرة." والله تكفل للمؤمنين بالنصر في الدنيا والآخرة ولله لا يخلف وعده، ولكنه قد يبتلي المؤمنين ليمحصهم ويطهرهم وينبئهم على خطأ ارتكبوه ليتداركوا؛ فهم من مصلحتهم؛ أما الكافر إنما هو كحمار: لا يدري لماذا ربطه أهله ولا لماذا أطلقوه، بخلاف المؤمن فهم يعتبر بما يجري وما أصابه، وأنه تمحيص له ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾

"قال تعالى: ﴿إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]" والله تكفل بنصر المؤمنين ولا يخلف وعده، فما أصاب المسلمين فهو في صالحهم، يتراجعون ويتعدون؛ "وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 56]" فمن تولى الله ورسوله والمؤمنين، من الولاية وهي الإيمان والحب؛ فهو من الأولياء ومن جزب الله الذين لهم الغالبة، والمؤمن لا ييأس من نصر الله مهما ما أصابه "وقال تعالى: ﴿إنَّ الّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الأَذَلَّينَ ۝ كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: 20- 21] وهذا كثير في القرآن." يحادون الله ورسوله ﷺ بأن يكونوا في جانب والله رسوله في جانب؛ وأما المؤمنون يكونون مع الله ورسوله ﷺ لا غيره، مهما ما أصابهم لا يتخلون عن دينهم والعاقبة لهم، لا ييأسوا من رحمة الله "وقد بين – سبحانه - فيه أن ما أصاب العبد من مصيبة، أو إدالة عدو، أو كسر، وغير ذلك فبذنوبه." والمؤمن يتوب إلى الله.

"فبين سبحانه في كتابه كلا المقدمتين، فإذا جمعت بينهما تبين لك حقيقة الأمر، وزال الإشكال بالكلية، واستغنيت عن تلك التكليفات الباردة، والتأويلات البعيدة. فقرر سبحانه المقام الأول بوجوه من التقرير: منها ما تقدم.

ومنها: أنه ذم من يطلب النصر والعزة من غير المؤمنين، كقوله:

﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾ تعتمدون عليهم وتثقون بهم لا تتخذوهم أولياء ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضِ﴾ اليهود لليهود والنصارى للنصارى، أما المؤمنون ليسوا مع اليهود ولا مع النصارى، إنما هم مع المؤمنين وإن ما أصاب المسلمين ما أصابهم ويعوضهم الله بعد أن يمحصهم ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ أولياء في المحبة والاعتماد عليهم، لا مانع أن يشتري المسلمين الأسلحة من الكفار بمالهم ما أخذوه مناً منهم، ومصانع الكفار لا تعمل إلا بتمويل من المسلمين؛ أما من تولاهم بالمحبة وناصرهم صار منهم ﴿إنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّالمِينَ﴾ الله لا يهديهم هداية التوفيق؛ إنما يهدي هداية البيان فقط ثم هداية التوفيق هي خاصة للمؤمنين الذين استجابوا لله وللرسول أولك يهديهم الله هداية التوفيق والتثبيت والتأكيد ﴿فَتَرَى الّذِينَ في قُلُوبِهمْ مَرَضٌ﴾ أي: نفاق ﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ نخشى أنتدور الأمور وينتصر الكفار على المسلمين، فيكون لنا يد عندهم لا يضروننا، ولا يحسنون الظن بالله ﴿فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ﴾ الوعد من الله بالنصر ﴿أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمينَ﴾ حيث انعكس الأمر عليهم وصار النصر للمسلمين ولا ينفعهم الكفار ﴿وَيَقُولُ الّذِينَ آمنُوا أَهؤْلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهمْ إِنَّهُمْ لمعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾ هذه الدائرة ﴿يأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ﴾ قالوا: هذه الآية انكبق على أبي بكر الصديق ومن معه من الصحابة في حروب الردة بعد وفاة الرسول ﷺ ﴿ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيموُنَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 51 - 56]" نتيجة لثباتهم على الحق والجهاد في سبيل الله. "فأنكر على من طلب النصر من غير حزبه، وأخبر أن حزبه هم الغالبون."

ونظير هذا قوله: ﴿بشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً ألِيماً الّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ، أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّة؟ فَإنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً﴾ [النساء: 138 - 139]" أ: أخبر المنافقين بخبر يظهر أثره على بشرتهم من الندم؛ فالتبشير يكون بالخير ويكون بالشر؛ فيبشر المؤمن بالجنة ويبشر الكافر والمنافق بالنار وعذاب أليم.

"وقال تعالى: ﴿يَقُولونَ لَئنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لِيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ المُنَافِقينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8]" لما كانت غزوة بني المصطلق صارت مشاجرة بين بعض الأنصار وبعض المهاجرين، ونادى الأنصاري: يا أنصار، ونادى المهاجر: يا مهاجرين؛ كل نادوا جماعتهم، فغضب رسول الله ﷺ وقال: "أبدعوة الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!" فغضب الرسول ﷺ من هذا الكلام لأن المؤمنين إخوة ليس بينهم فريق؛ فقال رأس المنافقين عدو الله ابن أبي: ﴿لَئنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لِيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ يقصد بالأذل رسول الله ﷺ والأعز هو رأس المنافقين ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ المُنَافِقينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ فكانت العزة للمؤمنين والحمد لله.

"وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللهِ الْعِزَّةُ جَمِيعَا إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلمِ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]" من كان يريد القوة والمنعة يطلبها من الله لا من الكفار والمنافقين؛ فمن أين يطلب العزة؟ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه: هذا سبب الله عزة: ذكر الله وتلاوة القرآن وتعلم العلم النافع والعمل الصالح يرفعه؛ لأن الكلام الطيب لا يقبل إلا إذا صاحبه عمل "أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله من الكلم الطيب والعمل الصالح.

وقال تعالى: ﴿هُوَ الّذِى أَرْسلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيظْهِرَهُ عَلَى الدِّينَ كُلِّهِ﴾ [التوبة: 33، الفتح: 29، الصف: 9]" الهدى: العلم النافع، ودين الحق: العمل الصالح؛ فالله أرسل رسوله بالعلم النافع والعمل الصالح ليظهره على جميع الأديان في الأرض، وقد بلغ المغارب والمشارق. "وقال: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بأَمْوَالِكُمْ وَأَنُفُسكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبِكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَة في جَنّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۝ وَأُخْرَى تُحبِوُّنَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ [الصف: 10 - 13]" التجارة تجارتان: التجارة بالمال والبيع والشراء، وتجارة بالأعمال الصالحة وهي التجارة التي تنجي من عذاب الله، هذا التجارة الرابحة، التجارة مع الله بالعمل الصالح "أي: ويعطيكم أخرى فوق مَغْفِرَةِ الذنوب ودُخول الجنة، وهى النّصْرُ والفتح ﴿يأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللهِ، قالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحَنُ أَنْصَارُ اللهِ، فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِى إسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةُ، فَأَيدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِين﴾ [الصف: 14]" بالنصر من الله نتيجة الإيمان والصدق مع الله.

"وقال تعالى للمسيح: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَى وَمْطَهِّرُكَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِل الّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: 55] فلما كان للنصارى نصيب ما من اتباعه كانوا فوق اليهود إلى يوم القيامة، ولما كان المسلمون أتبع له من النصارى كانوا فوق النصارى إلى يوم القيامة." وهذا شيء ظاهر الآن وسيستمر إلى يوم القيامة؛ فإذا كان هذا للنصارى فالمؤمنون أولى بهذا منهم لأنهم بعيسى إيماناً حقيقياً فيكونون فوق الذين كفروا.

"وقال تعالى للمؤمنين: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكمُ الّذِينَ كَفَرُوا لَولَّوا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيا وَلا نَصِيراً سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاَ﴾ [الفتح: 22- 23] فهذا خطاب للمؤمنين الذين قاموا بحقائق الإيمان ظاهرا وباطنا. وقال تعالى: ﴿والْعَاقِبَةَ لِلْمتُقّيِنَ﴾ [الأعراف: 128] وقال: ﴿وَالْعَاقِبةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132] والمراد: العاقبة في الدنيا قبل الآخرة، لأنه ذكر ذلك عقيب قصة نوح، ونصره وصبره على قومه. فقال تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أنْتَ وَلا قَوْمكَ مِنْ قَبْلِ هذَا فَاصْبِرْ إنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمتُقّينَ﴾ [هود: 49]" تلك الأخبار العظيمة من أخبار الغيب الماضي ما شهدها، وهذا دليل على رسالة محمد، فكيف يخبر عنها وما حضرها، فالله أخبره بذلك وإنه من معجزاته وآياته على صدقه. "أي عاقبة النصر لك ولمن معك، كما كانت لنوح عليه السلام ومن آمن معه." قيل: ما آمن معه إلا مئة وأربعون مهما أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، "وكذلك قوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132]" أي من في بيتك ومن تحت ولايتك، وهو يأمر جميع الناس لكن أهله على وجه خصوص، فكيف يدعو الناس ويترك أهل بيته، يبدأ بأهل أول شيء، ويصبر على ذلك لأن فيه مشقه وأذى من الناس "وقال تعالى: ﴿وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرٍّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ [آل عمران: 120]" إن تصبروا على دينكم وتتقوا الله لا يضركم كيد الكفار إذا تمسكتم بدينكم وصبرتم عليه، وعلى ما ينالكم، لا يضركم من كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط.