دروس معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الكتاب: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان
التاريخ:2/2/1439 هـ
من قول المؤلف: "فصل: ومما يبين أن هذه الفواحش أصلها المحبة لغير الله تعالى"
إلى قول المؤلف: "والكافر مفتون بالمؤمن في الدنيا كما أن المؤمن مفتون به"
ملخص الدرس:
قال المؤلف: "فصل: ومما يبين أن هذه الفواحش أصلها المحبة لغير الله تعالى، سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة، أو غير ذلك: أنها في المشركين أكثر منها في المخلصين، ويوجد فيهم منها ما لا يوجد مثله في المخلصين." فالتعلق بالنساء وغيرهن مما ينظر إليه نظر شهوة أكثر في المشركين من المخلصين؛ لأنهم لا يغضون أبصارهم بخلاف المخلصين، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 30-31] والنظر سهم من سهام إبليس؛ فإذا أرسله رجع إليه بالافتتان ويجره إلى الشر، وهذا في النظر الذي لا يحتاج إليه الإنسان، أما ما يحتاج النظر إليه فيغض بصره.
"قال تعالى: ﴿يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِع عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمْا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾" الشيطان يحرص كل الحرص على تعري بني آدم، وهذا إلى يومنا هذا كما نشاهده مع أن الله قد حذرنا منه، وهذا الوقت وقت فتن ولو لم تحصل الفتنة بالفعل فقط لكنها تحصل الآن بالنقل تدخل على الناس في بيوتهم؛ فالفتن: فتن مفعولة وفتن منقولة، والكن الله عصم المخلصين وحماهم من الشيطان؛ فالمسلم يبتعد عن مواطن الفتنة وأسبابها يبعد أهل بيته وأولاده عنها؛ "﴿وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ - إلى قوله تعالى - ﴿قُلْ إِنَما حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنّهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمِ وَالْبَغْي بِغَيرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَالا تَعْلَمُونَ﴾" والقول على الله بغير علم كذب عليه وهو أشد من الشرك ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ افْتَرى عَلى اللهِ كذباً﴾ فلا يجوز القول على الله بدون دليل. فهم استبدلوا ولاية الله بولاية الشيطان "فأخبر سبحانه أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وهو قوله: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوِني وَهُمْ لَكُمْ عَدُو بِئْسَ لِلظّالمينَ بَدَلاً﴾" وجمعوا بين الكذب على الله وتقليد الأولين.
"قال شيخنا:" أي: ابن تيمية "وفى هذا الوصف نصيب كبير لكثير من المنتسبين إلى القبلة، من الصوفية والعُبّاد، والأمراء، والأجناد، والمتفلسفة، والمتكلمين، والعامة وغيرهم، يستحلون من الفواحش ما حرمه الله ورسوله، ظانين أن الله أباحه، أو تقليدا لأسلافهم وأصله العشق الذى يبغضه الله، فكثير منهم يجعله ديناً، ويرى أنه يتقرب به إلى الله، إما لزعمه أنه يزكى النفس ويهذبها، وإما لزعمه أنه يجمع بذلك قلبه على آدمي، ثم ينقله إلى عبادة الله وحده، وإما لزعمه أن الصور الجميلة مظاهر الحق ومشاهده، ويسميها مظاهر الجمال الأحدي وإما لاعتقاده حلول الرب فيها، واتحاده بها، ولهذا تجد بين نساك هؤلاء وفقرائهم وأمرائهم وأصحابهم توافقا وتآلفا على اتخاذ أنداد من دون الله يحبونهم كحب الله. إما تَدَيُّناً، وإما شهوة، وإما جمعاً بين الأمرين. ولهذا يتآلفون ويجتمعون على السماع الشيطاني الذي يهيج الحب المشترك، فُيَهيِّج من كل قلب ما فيه من الحب." فهم غلاة الصوفية يقولون إن هذ تفكر في خلق الله وينظرون إلى النساء والمردان ويقولون هذا تفكر في جمال خلق الله، "وسبب ذلك: خلو القلب مما خلق له، من عبادة الله تعالى التي تجمع محبته وتعظيمه.." فإذا خلا القلب من الله سلط عليه الشيطان. "وهذا من تبديل الدين، وتغيير فطرة الله التي فطر عليها عباده. قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً، فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. لا تَبْدِيلَ لِخَلْق الله﴾ [الروم: 30] .أي: نُفس خلق الله لا تبديل له، فلا يخلق الخلق إلا على الفطرة، كما أن خلقه للأعضاء على السلامة من الشق والقطع، ولا تبديل لنفس هذا الخلق ولكن يقع التغيير فى المخلوق بعد خلقه، كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يَهُوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيمَجِّسَانِهِ، كَمَا تَنْتَجُ الْبَهيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تَحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونهَا"." والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه، والفطرة تفسد بالتربية السيئة والعادات القبيحة، ولا أحد يقدر على خلق فطرة منعكسة، ولكن المخلوق هو الذي يتغير، أما فطرة الله لا تغير.
"فصل: والفتنة بعشق الصور تنافى أن يكون دين العبد كله الله، بل ينقص من كون دينه لله بحسب ما حصل له من فتنة العشق. وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين لله. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ [الأنفال: 39] فناقض بين كون الفتنة وبين كون الدين كله. فكل منهما يناقض الآخر." فشرع القتال من أجل المحافظة على دين الله وسعادة البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور لا من أجل سفك الدماء. "فما حصلت به فتنة القلوب فهو إما شرك، وإما من أسباب الشرك. وهي جنس تحته أنواع من الشبهات، والشهوات. وفتنة الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله من أعظم الفتن." فأشركوا في المحبة فمحبتهم مشتركة، وأما المؤمنون فمحبتهم خالصة. والبعض يفر من فتنة فيقع فيما هو أعظم منها: "﴿أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ [التوبة: 49] قال قتادة: "ما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله سلم والرغبة بنفسه عنه أعظم...
ولفظ الفتنة في كتاب الله تعالى يراد بها الامتحان الذي لم يفتتن صاحبه، بل خلص من الافتتان. ويراد بها الامتحان الذي حصل معه افتتان. فمن الأول: قوله تعالى لموسى عليه السلام: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً﴾ [طه: 40] ومن الثاني: قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَة﴾ [الأنفال:39] وقوله: ﴿أَلا فِي الْفِتنَةِ سَقَطُوا﴾ [التوبة: 49] ويطلق على ما يتناول الأمرين، كقوله تعالى: ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1 -3] ومنه قول موسى عليه السلام: ﴿إنْ هِي إِلا فِتْنَتُكَ تُضِل بهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِى مَنْ تَشَاءُ﴾ [الأعراف: 155] أي: امتحانك وابتلاؤك، تضل بها من وقع فيها، وتهدى من نجا منها." يختبر الله الناس كي يتبين الصادق من الكاذب، فلا بد من وقوع الفتنة، كما لا بد في ذلك من الصبر؛ قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُون﴾ [الفرقان: 20] وهذا عام في جميع الخلق، امتحن بعضهم ببعض.." والفتنة واقعة في الدنيا والآخرة؛ "فالنار فتنة من لم يصبر" وفتن الكفار بشجرة الزقوم في الدنيا والآخرة.