دروس معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الكتاب: شرح العقيدة الحاوية لابن أبي العز الحنفي
التاريخ: 19/1/1439 هـ
من قول المؤلف: "وَلِهَذَا يَأْتِي الْإِثْبَاتُ لِلصِّفَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُفَصَّلًا.."
إلى قول المؤلف: "قَوْلُهُ: لَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَفْهَامُ"
ملخص الدرس:
قال الشارح: "وَلِهَذَا يَأْتِي الْإِثْبَاتُ لِلصِّفَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُفَصَّلًا، وَالنَّفْيُ مُجْمَلًا، عَكْسَ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالنَّفْيِ الْمُفَصَّلِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُجْمَلِ.."
هذه طريقة القرآن في صفات الله تعالى: الإثبات المفصل والنفي المجمل، كما في قوله الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] – هذا نفي مجمل و ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ - إثبات مفصل؛ وأهل السنة يقتدون بطريقة القرآن ويخذونها قاعدة بخلاف المبتدعة من أهل الكلام والجهمية والمعتزلة الذين نفيهم للصفات مفصل (مثل قولهم: إن الله ليس بجسم ولا شبح وجوهر ولا عرض) وهذا وصف الله بغير موجود؛ فلذلك سموا بالمعطلة؛ لأنهم عطلوا صفات الله عن الله وعطلوا الكون عن خالقه؛ والنفي المجرد المفصل ليس مدحاً، بل تنقص للممدوح.
لا بد من التقييد بالألفاظ الواردة في الشرع وهذا السبيل الصحيح المتبع في الأسماء والصفات، ولا نأتي بألفاظ لم ترد في الشرع، وما جاء به المبتدعة من الألفاظ المحدثة فنرجعها إلى الكتاب والسنة؛ فما وافق منها الحق نأخذ بها وما خالفه نرده؛ لأن الله أعلم بنفسه أصدق حديثاً، هذا عكس طريقة أهل الضلال الذين يحكمون على القرآن والسنة بكلام مشايخهم – وغالب طريقتهم السلوب، أي: النفي المفصل، أما الإثبات فهو عندهم قليل.
"قَوْلُهُ: (وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ). هَذِهِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ الَّتِي دَعَتْ إِلَيْهَا الرُّسُلُ كُلُّهَا" – هذه دعوة جميع الرسل، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله ولا بد من هذا التقدير (بحق)؛ لأن الآلهة الباطلة كثيرة والإله المعبود بالحق واحد.
"قَوْلُهُ: (قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ)" القديم ليس من أسماء الله الحسنى وهو في اللغة المتقدم على غيره ولا يدل على أنه لم يسبقه عدم، ولذلك سمى الله نفسه ب (الأول) الذي ليس قبله شيء، وهذا يقطع التسلسل بأن الله هو واجب الوجود الذي أوجد كل شيء، والإنسان ما أوجد نفسه؛ فهذا يدل على أنه مخلوق والله خالقه، والله الأول ليس قبله شيء وهو الآخر ليس بعده شيء.
"قَوْلُهُ: (يَفْنَى وَيَبِيدُ)" من باب تأكيد ما قبله؛ فإنهما متقاربان في المعنى.
"قَوْلُهُ: (وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ)" رداً على القدرية والجبرية؛ فإن الجبرية غلوا في القدر وأنكروا أن يكون للإنسان مشيئة، والقدرية المعتزلة غلوا في نفي القدر حتى جعلوا الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه؛ أما أهل السنة يثبتون لله إرادتين: إرادة الله الكونية القدرية وإرادة الله الدينية الشرعية؛ فالإرادة الشرعية هي ما أراد الله شرعاً ويحبه ويرضا ويأمر به، ولا يلزم من هذه الإرادة أنه تعالى يريد الشيء كوناً وقدراً، كما أنه تعالى قد يريد شيئاً كوناً وقدراً ولا يحبه بل ينهى عنه – وكل ذلك لحكمته البالغة للآمر والمأمور؛ فلا يلزم من الأمر بشيء أن الآمر سيُعِين المأمور على فعله – وهذا واضح بين المخلوقين؛ فالخالق أولى به.
بعض الفوائد من الدرس:
- أن طريقة القرآن في صفات الله تعالى: الإثبات المفصل والنفي المجمل وهذه طريقة أهل السنة بخلاف أهل الضلال.
- أن طريقة أهل الكلام والجهمية والمعتزلة في الصفات هي النفي المفصل المخالف للقرآن.
- أن النفي المجرد المفصل ليس مدحاً، بل تنقص للممدوح.
- التقييد بالألفاظ الواردة في الشرع في الأسماء والصفات.
- أن ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله ولا بد من تقدير (بحق) هنا؛ لأن الآلهة الباطلة كثيرة.
- القديم ليس من أسماء الله الحسنى؛ لأنه لا يدل على أن الله لا يسبقه عدم؛ ولذلك سمى الله نفسه ب (الأول).
- إرادة الله نوعان: إرادة كنونية قدرية وإرادة دينية شرعية؛ فالإرادة الشرعية هي ما أراد الله شرعاً ويحبه ويرضا ويأمر به، ولا يلزم من هذه الإرادة أنه تعالى يريد الشيء كوناً وقدراً، والإرادة الكونية هي أن الله تعالى قد يريد شيئاً كوناً وقدراً ولا يحبه بل ينهى عنه؛ وإنما يريد الشيء لحكمته البالغة.