دروس معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الكتاب:
شرح فتح المجيد
التاريخ:
1439-01-13هـ
من قول المؤلف:
"باب ما جاء في التطير"
إلى قول المؤلف:
"وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل.."
ملخص الدرس:
باب ما جاء في التطير: أي النهي عنه والوعيد فيه، و(التطير) اسم مصدر من تطير طيرة؛ وأصله التشاؤم بالطيور وغيرها إذا صده عن إمضاء أمر قصده وهو من أمور الجاهلية؛ فذكر الله في القرآن أن آل فرعون كانوا يتطيرون بموسى والمؤمنين معه: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 131] والتطير من الشرك الأصغر الذي ينافي كمال التوحيد؛ لأن فيه إسناد الأمور لغير الله والاعتماد على غيره ونقص في التوكل عليه.
والآية: قيل إن معنى ﴿طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: ما أصابهم إنما هو من عند الله، وقيل معناها: "شؤمهم عند الله ومن قِبَله" أي: إنما جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله، وهما روايتان عن ابن عباس. فكانوا يتشاءمون بموسى ومن معه من المؤمنين كلما أصابتهم سيئة؛ وما كان موسى وما جاء به إلا خيرا وبركة لهم؛ والآن الناس يتطيرون بالعلماء وأهل الخير يقولون: إنما أصبنا بكذا وكذا بسبب العلماء. وقال الله تعالى: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ [يس: 19] أي: بسببكم وكفركم وأعمالكم السيئة فالتطير الذي حصل لكم راجع عليكم، وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته؛
ومناسبة الآيتين للباب: أن التطير من عمل أهل الجاهلة والمشركين ذكر في القرآن في سياق الذم، وقد نهى عنه رسول الله ﷺ في سنته وأخبر أنه شرك.
ومن الأدلة على أنه شرك: حديث أبي هريرة: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صَفَر." أخرجاه. زاد مسلم: "ولا نوء ولا غول." والعدوى في اللغة من الإعداء يقال: أعداه الداء يعديه إعداء إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء؛ ونفي العدوى هنا على الوجه الذي كان أهل الجاهلية يعتقدون أن المرض ينتقل بنفسه بدون تقدير من الله، والصحيح أن المرض ينتقل بقدر الله من شخص إلى شخص وبلد إلى بلد وأن هذه الأمور تعدي بطبعها وأنها من الأسباب. وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك، ولهذا قال: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد". وقال: "لا يورد ممرض على مصح". وقال في الطاعون: "من سمع به في أرض فلا يقدم عليه." وكل ذلك بتقدير الله تعالى.
والابتعاد عن المريض أو بلد فيه عدوى من اتخاذ الأسباب والله هو المسبب، وهذا ما يسم الآن بالهجر الصحي؛ أما من قوي إيمانه وتوكله على الله فلا بأس أن يخالط المرضى وما فيه ضرر عادة عند وجود المصلحة والحاجة، كما فعل رسول الله مع المجذوم وكما شرب خالد بن الوليد السم لإظهار أن الأمور بيد الله.
وقوله: "لا طيرة" يحتمل النهي والنفي والثاني أظهر لسياق الحديث وهو أيضاً أبلغ من النهي؛ لأن النفي يدل على بطلان التشاؤم بهذه الأمور المذكورة في الحديث وعدم تأثيرها، والنهي إنما يدل على المنع فقط، وقد نهى عنه النبي ﷺ كما جاء عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم: "ومنا أناس يتطيرون." قال: "ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم." فبين أن التطير في النفوس وليس في الأشياء؛ فلا يجوز التشاؤم بها؛ كما ورد عن بعض السلف مثل ابن عباس وطاووس الإنكار الشديد على من تتطير؛ فبادروا بالإنكار عليه.
بعض الفوائد من الدرس:
- التطير أصله التشاؤم بالطيور إذا صد عن إمضاء أمر قصده ويطلق على جميع ما تَشاءَمَ به الإنسان.
- التطير من أمور الجاهلية
- الطيرة شرك ينقص كمال توحيد العبد
- بعض الناس يتطيرون بأخيار الأمة كالأنبياء والرسل والعلماء والصالحين وهم في الحقيقة من أسباب وجود الخير والبركة
- العدوى لا تنتقل بنفسها إنما تنتقل بقضاء الله وقدره
- الابتعاد عن الأمراض المعدية وما يسمى بالهجر الصحي من اتخاذ الأسباب
- من قوي اعتماده وتوكله على الله فلا بأس له من مباشرة الأمور الخطيرة وهم النوادر من الناس
- النهي عن العمل بما يجد الشخص في نفسه من التشاؤم بأمور تصده عن مقاصده
بعض من أهم الفتاوى المتعلقة بالدرس:
س/ انتشر عند بعض الناس القول إن فلان مرض بسبب العدوى التي أخذها من فلان، ما حكم هذا القول؟
ج/ إذا قال: مرض بسبب فهذا لا بأس، أما إذا قال: مرض بالعدوى فهذا لا يجوز؛ لأن العدوى سبب.
س/ إذا دخل أحد أقاربي المستشفى وجعل في الهجر الصحي، فهل تجوز لي الزيارة؟
ج/ لا. إذا جعل في الهجر الصحي لا تجوز لك الزيارة إنما يزوره من يعالجه ومن تولى شأنه وهو متخذ الأسباب الواقية.