شرح كتاب التوحيد 22-03-1437هـ



مقدمة الحلقة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى قَائْدُ الغَّرُ المحَجَلِيْن نَبِيِّنَا مُحَمَّدُ وَعَلَىْ آَلِه وَصَحَبِه أَجْمَعِيْن.
مرحبًا بكم أيها الأخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا اللقاء.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم .
المتن: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ
الشرح: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد
قوله-رحمهُ الله-: بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّنْجِيمِ، أي من الأدلّة على تحريم ذلك، وإخلاله بالعقيدة، والتنجيم هو نسبة الحوادث الأرضيَّة، إلى الأحوال الفلكيَّة، كما قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة-رحمه الله-.

المتن: قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحِه : قَالَ قَتَادَةُ : خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ : زِينَةً للسَّمَاءِ وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا. فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ به. أهـ.
الشرح: نعم قولُ قتادة –رحمه الله-:  (ـ خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ)، كما جاء في القرآن، لأن ما من شيءٍ خلقهُ الله إلا لحكمة، ولعملٍ يترتَّب على هذا الشيء، أو ينتج عن هذا الشيء، النجوم خلقها الله لثلاث حِكم، لا كما يعتقده أهلُ الجاهليَّة، أنها تؤثِّر في لكون، أو أن للحوادث ارتباطًا بها، لمَ خلقها الله؟، لثلاث: زينةً للسماء، كما قال –جَلَّ وَعَلاَ-: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)، يعني النجوم.
ثانيًا: رجومًا للشياطين، في الآية، زينةً للسماء، ورجومًا للشياطين، الذين يسترقون السَّمع،  كما قال –جَلّ وَعَلاَ-: (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)، يعني الشياطين، (إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)، كما سيأتي، زينةً للسماء، ورجومًا للشياطين، تحرسُ السَّماء من استراق السَّمع.
 وعلاماتٍ يهتدي بها المسافرون في البرّ والبحر:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).

المتن: فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ به. أهـ.
الشرح: نعم، من علَّق بالنجوم، غير هذه الفوائد، الفوائد الثلاث: زينةً للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها، فقد أخطأ في اعتقاده، لأنَّ الله- جَلّ وَعَلاَ- إنما خلقها لهذه الثلاث، فهو أخطأ ما خلقها الله من أجله، وأتى بشيءٍ من عنده، لا دليل عليه، وأضاع نصيبه، مشكلة أنَّ هذا يضيع نصيبه من الإيمان، يضيع نصيبه من الإيمان، إذا اعتقد في النجوم، أنَّ لها تأثيرًا في الكون، أو في الحوادث، فإن هذا اعتقادٌ يتنافى مع عقيدة التوحيد، فيضيع نصيبه من الإيمان، تكلَّف ما لا علم له بهِ، لا دليل على أنَّ هذه النجوم، خُلقت لغير هذه الثلاث: زينةً للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، لا دليل يدلُّ على زيادة على هذه الأمور الثلاث.

المتن: وَكَرِهَ قَتَادَةُ تَعَلُّمَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ ابنُ عُيَيْنَةَ فِيهِا، ذَكَرَهُ حَرْبٌ عَنْهُمَا، وَرَخَّصَ فِي تَعَلُّمِ الْمَنَازِلِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
الشرح: هذا يُسمَّى علم التسيير، وهو علم الحساب، وأمَّا الأول الممنوع فهو علم التَّأثير، أنَّ هذه النجوم تؤثِّر في الكون، هذا علم التَّأثير، وهذا باطلٌ بالإجماع، وأما علم التسيير، وهو علم الحِساب والمواقيت، فهذا أمرٌ مُباح، وهذا تدلُّ عليه هذه النجوم الشمس والقمر، الله- جَلّ وَعَلاَ-، جعل هذه الكواكب في مسيرها، وأوقاتها، جعلها مواقيت، جعلها مواقيت لمصالح الناس، يعرفون بها مواقيت البذور، ويعرفون بها مواقيت مصالحهم، هذا ما يُسمَّى علم التسيير، وهو من العلماء من منعه، ومنهم من أجازه، وهذا هو الصحيح.
المتن: وَعَن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحْمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وابْن حِبَّان فِي صَحِيحِه.
الشرح: أخبر- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أنَّ ثلاثة لا يدخلون الجنَّة:
 أولهم: مدمنُ الخمر، أي المُداوم على شرب الخمر، إذا لم يتُب إلى الله، وهذا من أحاديث الوعيد، وإلا فإن مُدمِن الخمر مُرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وهي دون الشَّرك، والله –جَلّ وَعَلاَ- قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) ، ولكن هذا من باب الزَّجر، والوعيد، أنه لا يدخل الجنة، من باب الزَّجر والوعيد.
 وقاطعُ الرَّحم، لأنَّ الرحم هي القرابة التي تربطك بها جهة الأب، أو جهة الأم، كالأعمام، والعمَّات، والأخوال، والخالات، والأجداد، والجدات، أولئك هم الأرحام، قال الله –جلَّ وَعَلاَ-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) ، وفي هذا الحديث أنه لا يدخل الجنة، من باب الوعيد، والتغليظ عليه، قيل: لا يدخل الجنة من أول وهلة، وقيل: إنه يُمرَّ كما جاء، من باب الزَّجر والتَّهديد، قاطعُ الرَّحم.
ومصدِّقٌ بالسِّحر، السِّحر باطلٌ كما سبق، وما مناسبة هذا لباب التنجيم؟، لأنه سيأتي أنَّ من اقتبس شُعبةً من النجوم، فقد اقتبس شُعبة من السِّحر، زاد ما زاد، فالتَّنجيم نوعٌ من السِّحر.

السؤال: عندما نقول يا شيخ: يُنافي التَّوحيد، ويُنافي كمال التَّوحيد، ما الفرق بينهما؟
الجواب: الفرق واضح، يُنافي التوحيد يعني من أصله، فلا يبقى توحيد، وأما يُنافي كمال التوحيد، التوحيد موجود، ولكن ليس كاملًا، يكون ناقصًا

المتن: قال المؤلِّف –رحِمهُ الله تَعَالَى-:  في هذا الباب  مسائل عدَّة:
الأولى : الحكمة في خلق النجوم.
الشرح: نعم الحكمة كما قال قتادة، خلق الله النجوم لثلاثة: زينةً للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فهذا فيه بيان الحكمة من خلق النجوم.
المتن: الثانية : الرد على من زعم غير ذلك.
الشرح: الرد على من زعم غير ذلك، (فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ به.)، ففي هذا ردٌ على من يتعاطى علم النجوم ويزعُم أنَّ ذلك جائز.
 الثالثة : ذكر الخلاف في تعلم المنازل.
الشرح: بعض السَّلف أجازهُ، لما فيه من المصالح، لأنهُ يتوافق مع الحكمة التي من أجلها خلق الله هذه النجوم، تعلُّم المنازل، منازل القمر التي ينزل، في كل ليلة ينزل في منزلة حتى يكمل الشهر، أربع ٌ وعشرون منزلة شاميَّة، وأربع وعشرون منزلة يمانيَّة، والمجموع ثمانية وعشرين، ويستتِر في ليلة أو ليلتين، يكمُل الشهر بذلك، في كل ليلة ينزل في منزلة، وهي هذه النجوم التي جعلها الله –سبحانه وتعالى – في السماء.

سوف نستكمِل –إن شاء الله- بقية هذه المسائل في الدرس القادم-إن شاء الله- في هذه الدروس المهمَّة في حياة المسلم، من كتاب التوحيد للإمام المُجدِّد محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-.
شكرًا لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان الذي يشرح هذه الدروس.