شرح كتاب التوحيد 08-03-1437هـ



مقدمة الحلقة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى قَائْدُ الغَّرُ المحَجَلِيْن نَبِيِّنَا مُحَمَّدُ وَعَلَىْ آَلِه وَصَحَبِه أَجْمَعِيْن.
مرحبًا بكم أيها الأخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ضيف هذا اللقاء هوفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء،أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم .
المتن: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
 بَابُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِمْ:
الشرح: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ.
قال -رحمه الله- بعد أن ذكر باب السحر وما ورد فيه، نَاسَّب أن يذكر من يُشبهون السحرة، أو يشاركونهم في السحر؛ وهم الكُهَّان ونحوهم.
والكُهَّان: جمع كاهن، وهو الذي يدعي علم الغيب؛ هذا يقال له كاهن، والنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حذَّر من الكُهَّان لأنهم يُضَّلون الناس بما يخبرونهم به، فيصدقونهم! خطرهم عظيمٌ على المجتمع، لذلك يجب القضاء عليهم كما يأتي في النصوص الواردة في هذا الباب، وعلى شرَّهم لأنه من أدعى علم الغيب فهو كافرٌ. قال –جلَّ وَعَلاَ-: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)، قال -سُبْحَانَهُ- (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، الرَسُول قد يطلعه اللهُ على شيء من المغيبات لأجل إقامة الحُجة على قومه، ولأجل المصلحة العامة، وهذا خاصٌ بالأنبياء -عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، أمَّا غيرهم فلا أحد يعلم الغيب، لأن الغيب لا يعلمه إلاَّ الله أو من أطَّلعه الله، على شيء من الغيب من الرَسَّل -عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- .
الغيب: ما غاب عن الناس؛ خلاف الشهادة، وهو ما يشاهده الناس، اللهُ –جلَّ وَعَلاَ- يعلم ما يشاهد وما غاب عن الناس، بعلمه الأزلي الذي هو موصوفٌ به أزلًا وأبدا.
المتن: رَوَى مُسْلِمُ فِي صَحِيحِه،عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   « مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».
الشرح: هذا من الوعيد الشديد على إتيان الكُهَّان، هذا عن بعض أزواج النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجهالة الراوي إذا كان من الصحابة فإنها لا تؤثر لأن الصحابة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- كلهم عدول، وأزواج النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صحابيات جليلات فهن عدول، فلا يضَّرُ إبهام الراوي إذا كان الراوي من الصحابة.
 روت عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا) يعني لأجل أن يسأله، «عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا»؛ هذا وعيدٌ شديد فيمن يأتون الكُهَّان، إذا أتاه مرة واحدة صدَّقه فأنه لا تقبل له صلاةٌ أربعين يوما، وهذا وعيدٌ شديد، يدل على شدة تحريم الذهاب إلى الكُهَّان وسؤال الكُهَّان لأنهم يُضلون الناس .
المتن: وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
الشرح: نعم؛ وهذا بمعنى الحديث الأول، إلاَّ أنه فيه زيادةٌ عليه، « مَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ» والحديث الأول « مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» مجرد الإتيان إليه فيه الوعيد أنه لا تقبل صلاته مدة أربعين يوم، وهذه خسارةٌ عظيمةٌ أنه لاتقبل صلاته أربعين يومًا، جزاءً له، يدلَّ على تحريم مجرد الذهاب إليهم، ولو لم يسألهم، أما إذا سألهم وصدقهم في هذا الحديث أنه كفر بما أُنزل على محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه لا يستوي إتيان الكُهَّان والتصديق بما جاء الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الكاهن كاذب، قال –جلَّ وَعَلاَ-:( يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)، أُكثر الكُهَّان كَذَبَة، فكيف يصدقون؟ « فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »، وهو القرآن والسُنَّة وهذا وعيدٌ شديد، على إتيان الكُهَّان خطرٌ عظيم، ففيه التحذير من الذهاب إلى الكُهَّان؛ وسؤال الكُهَّان .
المتن: وَلِلْأَرْبَعَةِ، وَالْحَاكِمِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: « مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
الشرح: وهذا كالحديث الذي قبله؛ إلاَّ أنه زاد « مَنْ أَتَى عَرَّافاً»، والعَرَّاف هو الذي يدعي علم الغيب، هو والكاهن سواء كلهم يدَّعون علم الغيب، العَرَّاف يزُعم أنه يخبر الناس عن الأشياء المستقبلة، بعلامات عنده وحدسٍ وتخمين، فلا يجوز الذهاب إلى العَرَّافِين ولا إلى الكُهَّان، الكُهَّان أشد من العَرَّافِين.
المتن: وَلِأَبِي يَعْلى بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مثله مَوْقُوفاً، وَعَن عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعاً:       « لَيْسَ مِنّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيِّرَ لَهُ أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَ قَوْلِهِ: "وَمَنْ أَتَى.." الخ.
الشرح: وهذا يؤيد ما سبق من النصوص؛ في التحذير من إتيان الكُهَّان ونحوهم، لأن فيه الوعيد الشديد بقوله:    « لَيْسَ مِنّا»؛ هذا تبرأ من الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن يذهب إلى الكُهَّان والعَرَّافِين، المُدعِيَّن لعلم الغيب، أن الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبرأ منهم، هذا فيه شدة تحريم الذهاب إليهم.
« لَيْسَ مِنّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطِيِّرَ لَهُ » الطِيَّرَة: سبق أن التشاؤم بالأشياء؛ من الطيور، سميت الطِيَّرَة لأنهم يتشاءمون بالطيور في حركاتها وطيرانها. والطِيَّرَة شرك كما قال النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنها اعتقاد بغير اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنه يضُر أو ينفع، هذه هي الطِيَّرة تطيَّر سواءً تطيَّر بالطيور تشاءم بالطيور تشاءم بالأشخاص تشاءم بأيِ شيء هذا هو التطيُّر ،والمطلوب التفاؤل ليس التطيُّر والتشاؤم ،أن يتفاءل بالخير ويُحسن الظن فيمن لم يُعرَف منه الشر فيُحسن الظن بهِ، ويعتمد على الله في إصلاح عقيدته وأنهُ لا ينفع ولا يضر إلا الله -سُبْحَانَهُ -. فالتشاؤم فيه إعتقاد أنَّ أحدًا غير الله يضر، وهذا شركٌ بالله -عَز وَجْل-، تطيَّر في نفسهِ أو تُطُيِّرَ له أو سأل المُتطيِّر أن يتطيَّرَ له كلهم سواء؛ تبرَّأَ منهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فعل الطيرة ومن فُعِلَت لهُ الطيرة كلهم تبرَّأَ منهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا يُنافي التوحيد، إعتقاد أنهُ لا يعلم الغيب إلا الله ولا ينفع ولا يضُر إلا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
المتن: (أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ)
الشرح: (أَوْ تَكَهَّنَ) يعني ادعى علم الغيب تَكَهَّن يعني هذا صنيع الإنسان؛ تَكَهَّن أي ادعى أنه يعلم الغيب، (أَوْ تُكُهِّنَ لَهْ) أو طلب من كاهنٍ أن يتَكَهَّن لهُ ويُخبرهُ عن المستقبل، وعن علم الغيب كلهم سواء لأنهُ رضي بهذا العمل حينما تُكُهِّنَ لهُ رَضيَ بهذا العمل وصَدَّقَ من يدَّعي علم الغيب.
المتن: (أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ).
الشرح: كذلك يقول ليس منا من سحر أي فعل السحر ،والسحرُ كما سبق آفةٌ خطيرة تصدُرُ من بعضِ الأشقياء وتضر المجتمعات قال –جلَّ وَعَلاَ- (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) والساحر من المفسدين في الأرض يغير عقائد الناس ويهدد الناس ويروِّعهم، فالسحر خطير جدًا، يجب القضاء على السحرة، حد الساحر ضربه بالسيف أو ضربةٌ بالسيف كما سبق، قتل الصحابة عمر وحفصة وكعب الأزدي قتلوا السحرة، فثبت قتل الساحرعن ثلاثة من أصحاب النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما سبق.
« وَمَنْ أَتَى كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». المتن:
الشرح: نعم هذا محل الشاهد للباب من أتى كاهنًا فصدَّقهُ بما يقول، إتيان الكاهن مجرد الإتيان ولو لم يصدقه ورد في صحيح مسلم أنه لا تُقبلُ لهُ صلاةٌ أربعين يومًا، أمّا إذا صدَّقَهُ قد كفر بما أُنزل على محمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، وكلا الأمرين خطير مجرد إتيان الكُهّان؛ وإذا انضاف الى ذلك تصديقهم صار الأمرُ أخطر والعياذ بالله،
 فيجب الحذر من الكهان ونحوهم لان هذا يضُر العقيدة ويُخِل بالتوحيد ويجعل الإنسان يعتقد أن أحدًا غير الله يعلمُ الغيب وهذا كفرٌ باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
 فيجب على المسلم أن يحذر من هذا، والآن صار فيه قنوات للسحرة ونحوهم من المفسدين ويطَّلع عليها بعض الناس أو كثير من الناس ولو على سبيل التفرُّج، لا يجوز هذا.