الأمن من ضرورات الحياة




الحمد لله رب العالمين، جعل الأمن مقرورا بالإيمان فقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته وتعالى عما يشركون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق المأمون صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماَ كثيرا،   أما بعد:

عباد الله، تعلمون أن الأمن من ضرورات الحياة، ولا تقوم المجتمعات إلا إذا توفر الأمن، والأمن ضد الخوف، ولهذا لما دعا إبراهيم الخليل لأهل مكة بدأ بالأمن فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فإبراهيم الخليل عليه السلام لما جاء بإسماعيل وأمه إلى مكة ووضعهما عند مكان البيت ثم اتجه إلى الشام راجعا قالت له أم إسماعيل: كيف تتركنا في هذا الوادي وتذهب؟ الذي ليس فيه ماء وليس فيه شيء وهو لا يتلفت إليها، ثم قالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما توارى عنهم حيث لا يبصرونه توجه إلى البيت أو إلى مكان البيت فدعا بهذا الدعاء: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فبدأ بطلب الأمن قبل طلب الرزق لأن الرزق لا يهنأ به ولا يتلذذ به مع الخوف؛ بل لابد من توفر الأمن فهو ضروري من ضرورات الحياة تأمن به العباد والبلاد والسبل والبراري والبحار فهو نعمة من الله سبحانه، وأما لما طلب الرزق قال: (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ) خص المؤمنين بذلك، قال الله جل وعلا: (وَمَنْ كَفَرَ) يعني: فأنا أرزق المؤمنين والكفار، فالله يرزق عباده سبحانه وتعالى ولا يضيعهم: (قَالَ وَمَنْ كَفَرَ) يعني: يرزقه، (فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) في هذه الدنيا وأرزقه كما أرزق المؤمنين، (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فالمؤمن يكون آمناً في الدنيا وفي الآخرة، فالمؤمن يكون مرزوقا في الدنيا وفي الآخرة تكفل الله برزقه، وكذلك الكافر يرزقه الله جل وعلا في الدنيا وفي الآخرة يجعل مصيره إلى النار: (قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

فالأمن من ضرورات الحياة وأي مكان أو بلد لا يتوفر فيه الأمن فإنها لا تهنأ فيه الحياة ولا يهنأ فيه الرزق فهو من أكبر نعم الله على عباده، ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول لأهل مكة: (لإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، منَّ عليهم سبحانه وتعالى بإطعامهم من الجوع  وتأمينهم من الخوف، فالرزق والأمن مقترنان دائما وأبدا، ممن يذكرنا بأن الأمن من أكبر نعم الله علينا وأنتم تسمعون أو تنظرون ما يحصل في البلاد القريبة المجاورة من الحروب والدمار سلط الله بعضهم على بعض وذلك بإحاء وإملاء من الكفار الذين يحشرون بينهم ويثيرون بعضهم على بعض حتى تتدمر البلاد وتهلك العباد ونحن نعيش - ولله الحمد - في هذه البلاد في أمن وارث، ورزق واسع، فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) هذا من شكر الله (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).

فمن أكبر النعم توفر الأمن توفر الرزق للعباد وكلا الأمرين متوفر لدينا - ولله الحمد -، فيجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى وأن نعتبر بما يجري حولنا مما تعلمونه من التشريد والقتل، تخريب الديار، تقطيع الأمن.

فعلينا أن لا نأمن أن يصل هذا إلينا إذا لم نشكر الله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه وعد أن يوفر الأمن والرزق لمن آمن به وتوكل عليه وعبده حق عبادته فقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).

والله جل وعلا ضمن أمن الأمن للمؤمنين: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) يعني: لم يخلطوا توحيدهم بشرك، أخلصوا التوحيد لله عز وجل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) لهم الأمن في الدنيا والآخرة (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) في دينهم وعقيدتهم يمشون على الحق وعلى صراط مستقيم هذا من أكبر فضل الله على عباده المؤمنين، (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ) بعد هذه النعمة كفر هذه النعمة وازدراها (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) الخارجون عن عبادة لله عز وجل كافرون بنعمة الله عليهم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) يعني: أعلمكم وأخباركم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

فلنعلم هذا يا عباد الله، ولا نتسبب في زوال هذه النعمة، نتمسك بديننا، نقيم الصلاة، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، نحافظ على طاعة الله سبحانه وتعالى، كيف يتساهل الكثير منا الآن بالصلاة؟ التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام يتثاقلون عنها وينامون عنها ويتأخرون عن الحضور للصلاة كسلاً وعدم مبالاة إلا من رحم الله إذا كان هذا حالهم مع الصلاة، فكيف بحالهم مع بقية أمور الدين؟ فإن من حافظ على الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ بقية دينه، ومن ضيعها فهو لما سوها أضيع، فإذا كان هذا حال الكثير مع الصلاة فأين شكر النعمة؟ (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) أين العبادة؟

علينا أن تقي الله سبحانه وتعالى نتآمر بالمعروف نتنها عن المنكر من أجل سلامة المجتمع من الفتن والشرور: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) أقاموا الصلاة، أين إقامة الصلاة عند كثير من الناس اليوم في هذه البلاد فما بالك بالبلاد الأخرى؟ وهذه الذي سلط بعضهم على بعض هذا الذي أغرى العدو بهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه.

فليكون لنا فيهم عبرة ولنعد إلى ديننا ونحافظ على صلاتنا وعلى بقية أمور ديننا حتى ننجوا من هذه الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفها بأنها كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ - ولا حول ولا قوة إلا بالله -، فليكن عندنا خوف من الله، فليكن عندنا اعتبار بما يجري في الديار مما تعلمون ولا يخفى عليكم لئلا يدب هذا إلينا ويصل إلينا لنأخذ على يد السفهاء منا، لنمسك ألسنتنا عن الكلام السيئ، لنمسك ألسنتنا عن الكلام في الإثارات وفي نشر الفواحش: (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).

فعلينا أن نحافظ على هذه النعمة بشكرها والعمل بها في طاعة الله سبحانه وتعالى حتى تستقر، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفرا الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، واشكروه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسيلماً كثيرا، أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله تعالى، حافظوا على ما عندكم من الأمن والاستقرار، وكلكم رجال أمن، كلكم يجب أن تحافظوا على هذا الأمن بشكر الله أولاً، ثم بالإخبار عن من يريد أن يخل بهذا الأمن وأن يخرق هذا الأمن، إخبار أهل سلطة للأخذ على يده لئلا يخرق السفينة فنغرق جميعاً، خذوا على أيدي سفهاءكم وما أكثرهم اليوم الذين لا هم لهم إلا القيل والقال والسباب والشتم والغيبة والنميمة والتحريش خذوا على أيديهم وانصحوهم، أبدؤوا بأنفسكم ثم بمن تحت أيديكم ثم بمناصحة المسلمين قال الله سبحانه وتعالى  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (بسم الله الرحمن الرحيم* وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) كل إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع:

الصفة الأولى: الإيمان.

الصفة الثانية: والعمل الصالح.

الصفة الثالثة: والتواصي بالحق.

الصفة الرابعة: والتواصي بصبر.

أين هذه الخصال؟ لنتفقد أنفسنا مع هذه الخصال حتى نسلم من هذا الخسار الذي أخبر الله عنه جل وعلا وأقسم، أقسم سبحانه وتعالى وهو الصادق في قوله، أقسم أن كل إنسان فهو خاسر إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع، فلنتفقدها فينا، وفيمن تحت أيدينا وفي بلادنا وفي إخواننا نتواصى بالحق نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونتواصى بالصبر على ذلك لأن هذا يحتاج إلى صبر ومن لا يصبر لا يستمر.

فعلينا أن صبر على طاعة الله وعلى أقدار الله وعن محارم الله، وعلينا أن صبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثم اعلموا عباد الله أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تأخذنا بما فعل السفهاء منا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا ووفقهم لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أعنهم على الحق، اللَّهُمَّ بصرهم بالحق وأعنهم عليه (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.


خطبة الجمعة 14-11-1434هـ