حاسبوا أنفسكم ما دمتم في زمن الإمكان




(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماَ كثيرا،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله، ونظروا في أعمالكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)، إن الإنسان العاقل لابد أن يعمل ولابد أن يتحرك فإما في الخير وإما في الشر قال صلى الله عليه وسلم: كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ، والله جل وعلا قد وكلَّ بالإنسان ملائكة يحصون عليه أعماله، ويكتبونها في صحيفته، ويحفظونها فإذا بعث يوم القيامة أعطي كتابه الذي أملاه في هذه الدنيا، إما باليد اليمنى إن كان عمله صالحا أو باليد الشمال إن كان عمله سيئا وهذا مصير لابد منه ولا مفر منه إذا كان كذلك فليتنبه المسلم لنفسه، وليحسن عمله، ويكثر من الطاعات، ويتجنب السيئات، وإذا حصلت من خطيئة أو سيئة فليبادر بالتوبة فإن الله: (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).

فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذلك ويكون من الذين (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)، فالإنسان لابد أن يعمل فإما أن يتحرك في الخير فيكون ذلك خيرا له، وإما أن يتحرك في الشر فيكون ذلك وبالا عليه فلا نجاة ولا فلاح ولا صلاح إلا بالعمل الصالح، العمل الذي إذا صلح وتقبله الله دخل صاحبه به الجنة: (وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، فالجنة لا تدرك بالأماني والعجز والكسل وإنما تدرك بتوفيق الله ثم بالأعمال الصالحة، فالجنة (دَارُ الْمُتَّقِينَ)، (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، والنار دار الأشقياء والظالمين (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، فنظر لأي الدارين أنت تعمل في هذه الدنيا؟

أيها الإنسان، ميزوا أعمالكم، واستعدلوا للقاء الله سبحانه وتعالى وسؤاله يوم القيامة إذا وقفتم بين يديه للحساب فلابد من الحساب على الحسنات والسيئات، ولابد من الميزان، توضع الحسنات في كفه وتوضع السيئات في كفه: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ).

ثم أيضا بعد الميزان المرور على الصراط وهو جسر فوق جهنم، أدق من الشعر وأحد من السيف وأحر من الجمر، تمر عليه الخلائق يوم القيامة فلا ينجوا من هذا الصراط إلا بالعمل الصالح يحمله على هذا الصراط عمله كما جاء في الحديث: منهم من يمر كالبرق الخاطف على الصراط، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدوا عدوا على قدمه، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف فيلقى في جهنم : (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً* ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً* ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً* وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) يعني: على هذا الصراط (كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) فالأخطار عظيمة والأهوال جسيمة، ولا نجاة منها إلا بطاعة الله والعمل الصالح.

فتأملوا في أنفسكم، حاسبوا أنفسكم ما دمتم في زمن الإمكان، ولا يكون العمل صالحا ومقبولا عند الله إلا بشرطين أساسين: تأملوا إلا بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله ليس فيه شرك قال الله جلَّ وعلا: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*)، فالشرك يحبط جميع الأعمال إذا كان شركا أكبر، وإن كان شركا أصغر وهو الرياء فإنه يحبط العمل الذي داخله الرياء قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم خير القرون: أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ فسُئل عنه، قال: الرياء يقوم الرجل فيصلي فيحسن صلاته لما يرى من نظر رجل إليه ، فاتقوا الله، وأخلصوا أعمالكم من الشرك الأكبر والشرك الأصغر، هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن يكون هذا العمل صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاليا من البدع والمحدثات، فإن الله لا يقبل العمل المبتدع قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ ، مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ وفي رواية: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ ، مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا يعني: ابتدع هو أحدث هذا هو، والرواية الثانية: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً يعني لو ما أحدثه هو لكن عمل به وهو بدعة فإنه مردود عليه لا يقبله الله سبحانه وتعالى، فالله لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجه وصوابا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ): هذا هو الإخلاص والتوحيد، والسلامة من الشرك، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي: متبع للرسول صلى الله عليه وسلم خاليا من البدع والمحدثات، فليس الشأن في أن الإنسان يعمل فقط وإنما الشأن في أن يسلم من الشرك، ويسلم من البدع والمحدثات وإلا فإن عمله يكون تعبا عليه بلا فائدة - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.

ففكروا في أعمالكم، ثم أعلموا أن الإنسان إذا عمل عملا صالحاً فإنه يحافظ عليه من المبطلات قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) لا تبطلوها مع أنها طاعة لله ولرسوله؛ لكن قد يبطلها الإنسان، بماذا يبطلها؟ يبطلها بأشياء:

أولا: الشرك بالله عز وجل كما سبق فلو أنه يصلي الليل والنهار، ويصوم الدهر، ويتصدق، ويجاهد في سبيل الله، لكنه يرائي بأعماله فإنه في نار جهنم قال صلى الله عليه وسلم: أول من تسعر النار يوم القيامة بثلاثة انتبهوا:

الأول: المجاهد في سبيل الله، يقاتل في سبيل الله وقتل في ظاهره أنه شهيد؛ لكن في باطن أمره إنما يريد الرياء والمدح يقول الله له يوم القيامة: ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي قاتلت فيك حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال هو شجاع هو جريء وقد قيل، ثم يأمر به فيسحب إلى النار .

الثاني: ورجل أتاه الله مالاً فجعل يتصدق منه ويكثر من الأعمال أعمال الصدقات فيؤتى به يوم القيامة فيقول الله له: ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي ما تركت سبيلا تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه، فيقول الله له: كذبت، ولكنك تصدقت ليقال هو جواد وقد قيل، ثم يأمر به فيسحب إلى النار .

 الثالث: ويؤتى بالعالم فيقال الله له يوم القيامة: ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي تعلمت فيك العلم وعلمته، فيقال له: كذبت، ولكنك تعلمت وعلمت ليقال هو عالم وقد قيل ثم يأمر به فيسحب إلى النار .

أول من تسعر به النار يوم القيامة هؤلاء الثلاثة المجاهد والمتصدق والعالم الذين لم يخلصوا عملهم لله عز وجل فهذا مصيرهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.

فاتقوا الله، عباد الله، أصلحوا  العمل وحافظوا عليه، كذلك قد يعمل الإنسان الأعمال الصالحة الكثيرة؛ ولكنه يعجب بها ويمنَّ بها على الله فيبطلها الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) المنَّ يبطل العمل إذا من به على الله استكثره فإن الله يحبطه.

فالمسلم يرى دائما أن عمله قليل وهو قليل يراه قليلا ولا يتكاثر عمله أو يعجب به - والعياذ بالله -؛ بل يراه مقصرا دائما لأنه إذا رآه نفسه مقصرا فإنه يتزود من العمل ويصلح العمل، أما إذا رآه كاملاً فإنه يحبط عمله - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فهذا يحبط العمل هذا من محبطات العمل. 

وكذلك مما يبطل الأعمال يوم القيامة الأعمال الصالحة نحن لا نتكلم عن الأعمال السيئة الأعمال الصالحة تبطل بماذا؟

بظلم الناس، فإذا ظلم الناس فإن الناس يقتصون منه يوم القيامة مظالمهم ويخذونها من حسناته لا من ماله، لأن الدار الآخرة ليس فيها أموال، ليس فيها دينار ولا درهم إنما فيها الأعمال، فإذا كان يظلم الناس فإن الله يأخذ من أعماله الصالحة للمظلومين فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئات المظلومين وطرحت عليه وطرح في نار - ولا حول ولا قوة إلا بالله - قال صلى الله عليه وسلم: إن أناسا يوم القيامة يأتون بأعمال أمثال الجبال أمثال الجبال أعمال صالحة أمثال الجبال، فيأتي وقد قتل هذا، ضرب هذا، أخذ مال هذا تكلم في هذا وشتمه فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته ، وقال صلى الله عليه وسلم: من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينارا ولا درهم ، إن كان له حسنات أخذ من حسناته وأعطيت للمظلومين وإن فنيت حسناته أو لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه يكفر الله عن المظلومين، يكفر الله عنهم بما ظلموا وتجعل هذه المظالم على من ظلمهم لأن الله جل وعلا حكم عدل يجازي بالأعمال في الحديث القدسي أن الله جل وعلا يقول: يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ لأن الله هو الذي وفقه وأعانه، وَمَنْ وَجَدَ شرا فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ لأنه هو الذي فرط وضيع وظلم نفسه.

فاتقوا الله عباد الله، تأملوا في أحوالكم وأعمالكم، (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (*بسم الله الرحمن الرحيم* إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا* وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا* يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفرا لله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وشكروه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسيلماً كثيرا، أما بعد:

أيُّها الناس اتقوا الله تعالى، من الناس من يشتغل بعيوب الآخرين وينسى عيوب نفسه، يشتغل بالناس يتلمس عورات الناس وعثرات الناس يحصيها عليهم ولا ينظر في عثراته وما يحصل منه فينشغل بعيوب غيره وينسى عيوب نفسه، من الناس من يفني حياته ومجالسه وحديثه في الكلام بالناس، الكلام في الحوادث، الكلام في الأخبار الكلام...، لكن لا يفكر في أعماله، لا يفكر في مصيريه، لا يفكر في تقصيره فيتوب إلى الله عز وجل في الآثر: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس منه منا هذا الذي يشتغل بعيوب نفسه ولا يشتغل بعيوب الناس، الله هم إلا القليل: (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)، ونسأل الله أن جعلنا وإياكم منهم.

فاشتغلوا في عيوب أنفسكم، وحاسبوا أنفسكم، وتوبوا إلى ربكم وتأهبوا للعرض الأكبر: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).

واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، كل بدعة ضلالة لأن هناك من يقول أن هناك بدع حسنة والرسول يقول: كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، ليس هناك بدعة حسنة ويقول: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَة جماعة المسلمين وإمام المسلمين لاسيما وقت الفتن والأزمات، ألزموا جماعة المسلمين وإمام المسلمين لتسلموا من الفتن سئل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصف له الفتن التي تحدث في آخر الزمان، وأن هناك دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها فقال حذيفة: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ قال: أن تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَ الْمُسْلِمِينَ قال يا رسول الله: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ، قال: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ على أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يأتيك الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ فهذا حديث عظيم، يبين ما يجب على المسلم عند حدوث الفتن والشرور أن يلزم طاعة الله ولهذا جاء في الحديث: أن الاشتغال بالعبادة وقت الهرج أنه هجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا تدخلوا في هذه الفتن والشرور وتشغلوا وقتكم بدون فائدة أو يكون كلامكم مما يشعل الفتن ويزيدها.

فاتقوا الله، ونجوا بأنفسكم، ونصحوا من ترونه يقبل النصيحة من إخوانكم،    

واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ اجعل كيدهم في نحورهم وكفنا شرورهم، اللَّهُمَّ أشغلهم بأنفسهم عن المسلمين، اللَّهُمَّ خذهم أخذ عزيز مقتدر فإنهم لا يعجزونك وأنت على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ أرح المسلمين من كل شرير ومن كل منافق وكفور، اللَّهُمَّ أرح المسلمين من شر الأشرار وكيد الفجار، وأجرهم من عذاب النار يا عزيز يا غفار يا ذا الجلال والإكرام (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وأصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أصلح شأنهم ووفقهم لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). 

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.

خطبة الجمعة 07-11-1434هـ