وجوب شكر النعم


وجوب شكر النعم

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمه الظاهرة والباطنة، ووعد الشاكرين بالمزيد، وتوعد الكافرين بنعمه بالعذاب الشديد، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله وصفيُه وخليلُه ومصطفاه من سائر العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم من أهل عقيدة السنة والتوحيد، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه التي وفرَّها لكم ظاهرةً وباطنه (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فإذا كنا عاجزين عن مجرد عدها فكيف نقوم بشكرها، ولكن الله (لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)،وإنما الخطر والخوف على من ينسى هذه النَّعم ويكفرها ولا يشكرها، وكم هلكت أمم بكفرها بنعم الله عز وجل: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).

عباد الله، إن ممن تكثر المنكرات وإن من المحدثات والبدع وكفر النعم ما يفعل في هذه الأيام من مناسبة الاحتفال للمولد النبوي وما يجري فيه من شرور ومنكرات منزه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته إنه احتفال مبتدع إنه احتفال مبتدع أحدثه أول من أحدثه الشيعة الفاطميون في مصر ثم انتشر في البلاد بعدهم تلقفه أهل الضلال والجهال فصاروا يحيونه كل سنة، ويحصل فيه ما يحصل، أولا أنَّه بدعة وكل بدعة ضلاله، فإنه ما عهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون لهم طيلة القرون المفضلة الأربعمائة سنة ما عُرف هذا المولد إنما عرف بعد المائة الرابعة أحدثه الفاطميون الشيعة لما استولوا على مصر وتلقفه من تلقفه من جهال وضلال هذه الأمة، ويحدث أولا أنَّه بدعة وكل بدعة ضلاله، وثانياً أنَّه يحدث فيه منكرات أشده الشرك بالله عز وجل في الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وشكوى الحال له وطلب النصرة منه وهذا شرك بالله عز وجل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يطلب منه شيء، وإن قال هؤلاء الذين يحدثون هذه البدعة ويكررونها أن فيها إحياء لذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقال لهم، هل أنتم لا تذكرون الرسول إلا في هذه الأيام؟ المسلمون يذكرون الرسول دائماً وأبداً، ورفع الله له ذكره في الأذان والإقامة والتشهد والخطب فلا يذكر الله جلَّ وعلا إلا ويذكر معه الرسول صلى الله عليه وسلم مصداقاً لقوله جل وعلا: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)، كل عبادة يفعلها المسلم مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه بذلك يتذكر الرسول ويتبع سنته، وللرسول من الأجر مثل أجر الفاعل والعامل لأن من سنّ في المسلمين سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فليس الرسول بحاجة إلى هذه الذكرى المبتدعة، وإن قالوا إننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم فنعمل هذا من أجل محبته قلنا: هل أنتم أشد حباً للرسول؟ من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة والتابعين والقرون المفضلة ما عملوا هذا المولد هل هذا لأنهم لا يحبونه حاشا وكلا، لكن لأنه بدعة وهم أبعد الناس عن البدعة، فعلى هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل ويتركوا هذه البدعة قال الله جلَّ وعلا: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وقد نهانا عن البدع ومنها المولد قال صلى الله عليه وسلم: وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ هذا تحذير ونهي فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، وقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدّ وفي رواية: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ومن ما يجري من كفر النعم ما يجري الآن في حفلات الزواج أصل الوليمة في العرس وفي الزواج سنة لكن تكون بالقدر المشروع ولا تخرج إلى ما يخالف الشرع يحصل في هذه الاحتفالات بالزيجات المنكرات منكرات كثيرة منها التصوير الذي انتشر في هذه الاحتفالات جهاراً يصورون الحاضرين يصفونهم صفوفاً طوابير ويأخذون لهم صوراً يحتفظون بها وينشرونها في الصحف مجاهرةً بالمنكر، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصورين وأخبر أنهم اشد الناس عذاباً يوم القيامة وأن المصور أظلم الظالمين قال الله جلَّ وعلا: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي ، فالمصور يحاول أن يخلق كخلق الله بأن يأتي بصورة تشبه الصورة التي صورها الله سبحانه وتعالى يقال له يوم القيامة أحي ما خلقت أنفخ فيه الروح تعذيباً له وتعجيزاً له يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ألا فاتقوا الله، يا عباد الله، ومن المنكرات التي تحصل في حفلات الزواج تبرج النساء وسفورهن وذهاب الحياء عنهن يحصل فيها من منكرات النساء الشيء الذي تشيب منه النواصي، يأتينا بأجمل لباس وأذكى رائحة وطيب وأيضاً لا يلبسن اللباس الساتر يأتينا بألبسة لا تستر تظهر ظهرها وتظهر صدرها وتظهر ساقيها وتظهر عضديها وذراعيها، وتأتي للاحتفال كاسية عارية، نسأل الله العافية، خصوصاً في الشابات، ولا أحد ينكر ولا يغار في هذه الاحتفالات مع السهر الطويل إلى أخر الليل في لهو وغفلة وشر، مزامير تصدح وآلات لهو تتابع موسيقى ومزامير قد حرمها الله سبحانه وتعالى وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم لأنَّها من اللهو، واللهو حرمه سبحانه وتعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ)، وفيها منكرات كثيرة وفيها ضياع للحياء والحشمة، وفيها اختلاط، قد يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء أو اختلاط بين النساء الطيبات الملتزمات والنساء غير الملتزمات فيتأثر بذلك من عنده بقية من الحياء، وفي هذه الاحتفالات قضي على الفضيلة تماما وذهب الحياء والخوف، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن المنكرات ما يجري في المناسبات الوطنية، الاحتفال بالمناسبات الوطنية والثقافة والفنون ومعارض الكتاب التي تقام، ويجري فيها من المنكرات ما لا يقل عن ما يجري في حفلات الأعراس أو أشد، ضياع للحياء والحشمة وظهور للمنكرات واختلاط بين الرجال والنساء من غير حياء، ويحصل التحرش الكثير وربما يتمكن الأشرار من ما يريدون من شهواتهم، فإن هؤلاء الشباب والشابات إذا التقوا ورى بعضهم بعضا مع قلة دينهم وفور الشباب فيهم يحصل من ذلك ما لا تحمد عقباه، فعلينا أن نتقي الله، يا عباد الله، قبل أن يحل بنا ما لا نطيق من عقوبة الله سبحانه وتعالى، فإن الله يمهل ولا يهمل، فلا نغتر بإمهال الله عز وجل ولا نتمادى فيما نحن فيه، علينا جميعاً وخصوصاً الآباء والأمهات علينا أن ننكر هذه المنكرات ومن دعيا إليها فلا يجيب إلا إذا كان يقدر على إنكار المنكر وإزالته فإنه يجب عليه الحضور، أمَّا من كان لا يقدر على ذلك فإنه لا يجوز له الحضور.

فاتقوا الله، عباد الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ الله بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيانِ والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيرا   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، وهناك أيضاً هناك مجال أخر لأهل الشر وهو هذه الاستراحات، التي انبعثت على الناس اليوم يجتمعوا فيها في بعضها لا أقول في كلها يجتمع في بعضها أو كثير منها، كثير من الأشرار والسفهاء يحصل فيها مفاسد تنشر فيها أفكار سيئة وأفكار خبيثة وهل ظهر التخريبيون غالباً إلا من هذه الاستراحات، لأن أهل الشر يقنصونها ويأتون إليها ويتسللون إليها ويختلط بشبابنا فيلقنونهم هذه الدروس الخبيثة، وكذلك الرحلات البرية قد تكون أيضا مجالًا لكثير من المعاصي من ترك الصلاة، ومن الغفلة عن ذكر الله، ومن الاستهتار بنعم الله والإسراف فيها وإضاعتها، فلا تنضبط نحن لا ننكر أن يسافر الإنسان للنزهة في البر ويترفه لكن في حدود وفي ضوابط فهو مسلم في كل مكان، مسلم في البلد، ومسلم في البر، ومسلم في البحر، ومسلم في الجو، المسلم مسلم في كل مكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اتَّقِ الله حَيْثُ مَا كُنْتَ فيجب على المسلم أن يتقِ الله في أي مكان من بر أو بحر أو جو خاليا أو مع الناس أن يتقِ الله لأن الله ربه مطلع عليه وهو مسلم فلا يكون مسلماً في موطن وغير مسلم في موطن أخر.

ألا فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.

وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار (إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللهمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللهمَّ أصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهددين غير ضالين ولا مظليين، اللهمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهمَّ أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ أسقي عبادك وبلادك  وبهائمك ونشر رحمتك وأحي بلادك الميت يا سميع الدعاء (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). 

عبادَ الله، (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.