شروط قبول العمل


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله وخيراته من جميع برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،   أما بعد:

أيُّها الناس، قال الله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، بين سبحانه وتعالى الحكمة من خلق بني آدم من خلق الجن والإنس الثقلين، أنهم خلقهم لعبادته لا لشيءٍ آخر، وأن عبادته عبادتهم له يرجع  أجرها وخيرها إليهم، والله جلَّ وعلا غني عنهم وعن عبادتهم كما قال سبحانه وتعالى:(وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)،(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، فنفع العبادة راجعٌ إلى الخلق، وأمَّا الله فهو غنيٌ عنها، ولكنه أمرهم بها رحمةً بهم، أمرهم بها لفائدتهم هم لأجل أنت تكون صلةً بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، وفي الحديث القدس أن الله جلَّ وعلا قال: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك من ملكي شيئا، ولو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد منكم ما نقص ذلك من مُلكي شيئا، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياَّها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد شراً، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنا إلى نفسه ، وعبادة الله هي التذلل والخضوع له والتقرب إليه بما شرعه لبعاده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، والعبادة تكون على اللسان، وذلك بذكر الله والتسبيح والتهليل والدعاء وتلاوة القرآن، وتكون بالأعمال كالصلاة والصيام والحج والعمرة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الظاهرة، وتكون الأعمال بالقلب كالخوف من الله، والخشية والرغبة والرهبة التوكل على الله سبحانه وتعالى، فالعبادة اسم جامع يجمع ما على اللسان، وما على القلب، وما على الجوارح، مطلوب من المسلم أن يخلص عبادته لله، فلا يشرك به شيئا، لأن العبادة تنبني على أصالين عظيمين الإخلاص لله، فلا يكون فيها شرك، ولا يكون فيها رياء ولا سمعة، فإن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأبطلها قال تعالى:(وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال سبحانه وتعالى:(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، قال تعالى:(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)، فلابد أن تكون العبادة خالصةً لوجه الله، لا يدخلوها شرك أكبر ولا أصغر وإلا أن دخلها شركٌ فوجودها كعدمها، بل عدمها قد يكون أحسن من وجودها، العالم الإسلامي اليوم وقبل اليوم لكن الشر يزيد، العالم الإسلامي اليوم عجوا فيه من الشرك بجميع أنواعه يتمثل هذا في عبادة القبور بالطواف حولها والذبح لها والنذر لها والاستغاثة بالأموات وهذا ظاهر وواضح في كثير من الأبصار إلا من رحم الله، وإذا نهو عن ذلك قال هذا ليس من الشرك إنما نحن نتقرب من الله بواسطة هؤلاء الصالحين، ليشفعوا لنا عند الله، ويقربونا إلى الله، وهذه مقالة المشركين الأولين، سواء بسوء قال تعالى:(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فجعل هذا العمل شركاً ونزه نفسه سبحانه وتعالى، وقال تعالى:(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)، فسمى عملهم هذا كذباً وكفراً وهم يقولون:(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)اعترفوا أنهم يعبدونهم ومن عبد غير الله فهو مشرك وهم يقولون:(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) نفس الحكاية اليوم عند كثير ممن يدعون الإسلام وهذا يكون بسبب الجهلِ، وبسبب التقليد الأعمى، وبسبب دعاة الضلال من شياطين الإنس والجن الذين يدعون الناس إلى هذا الشرك ويزينهم لهم، ومن قلة الدعاة المصلحين والعلماء الصالحين الذين ينهون عن الشرك وينهون عن الفساد في الأرض، فلا حول ولا قوة إلا بالله، الشرط الثاني من شروط قبول العبادة: أن تكون صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله إنما بعث رسوله ومن قبله من النبيين ليبينوا للناس، كيف يعبدون الله ليس كل أحد يعبد الله بهواه أو بما يستحسنه أو بما وجد عليه آباءه وأجداده، وإنما يعبد الله على الطريق الصحيح الذي شرعه وأنزل به كتبه، وأرسل به رسله ليبينه للناس، فلا تصح العبادة إلا إذا خلت من البدعة والمحدثات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود عليه لا يقبله الله، وفي راوية: من عمل عملا حتى ولو لم يحدثه هو إذا عمل بما أحدثه غيره فإنه مردود عليه ، فالبدعة مردود لا تقبل مهما اجتهدا  صاحبها ومهما أخلص نيته وقصده فيها فإنها مردودٌ على صاحبها وقال صلى الله عليه وسلم: من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي،  تمسكوا بها وعضوا بها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وفي رواية: وكل ضلالة في النار ، من العجب أنه وجد من دعاة الضلال من يقول هناك بدعة حسنة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: وكل بدعة ضلالة وهذا يقول لا هناك بدع حسنة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقال سبحانه وتعالى:(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)، قيل للفياض بن عمير رحمه الله ما معنى (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)؟ قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه؟ قال: أخلصه أني يكون خالصاً لوجه الله، وأصوبه أن يكون صواباً على سنة رسول الله، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صوابا، قال الله تعالى:(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)هذا هو الإخلاص، أخلص وجه أي نيته وقصده لله في عمله وهو محسن متبع للرسول صلى الله عليه وسلم فهذان شرطتان أساسان في العبادة، لا تقبل إلا بهما.

فتقوا الله عباد الله، وأحسنوا عملكم، فإن العبرة بحسن العمل لا بكثرة العمل، إنما العبرة بحسن العمل بأن يكون خالصاً لوجه لله سواً  صواباً على سنة رسول الله وهذا يحتاج منا إلا تعلم العلم النافع، إلا تعلم أمور ديننا حتى نؤديه على بصيرة ولا نكون مقلدينا، ولا نكون مقلدينا على جهل وضلال، ولا نتبع دعاة الضلال بل نكون على بصيرةٍ من أمرنا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن المسلم مأمورٌ بعبادة الله إلى أن يحضره الموت قال تعالى:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، وقال سبحانه وتعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)،(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فالمسلم يستمر على عمله الصالح، وعلى عبادة ربه إلى أن يأتيه الموت كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ، وعليكم بالمسابقة والمسارعة إلى الخيرات كما أمركم ربكم عز وجل:(سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)،(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)لأن الأعمال تفوت والفرص تضيع إذا لم تبادر لا تؤجل التوبة لا تؤجل العمل الصالح إلا أمر مستقبل لا تدري هل تدركه أو لا تدركه؟ بادر الأوقات قبل الفوات، بادر بالطاعة قبل أن يحال بينك وبينها قبل أن يفاجئك الموت بادر بالطاعة ولا تأخر ولا تؤجل ولا تنتظر،إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح،وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك،وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك، بادر بالأعمال الصالحة قبل فواتها.

واعلموا عباد الله، أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين،اللَّهُمَّ أدفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، اللَّهُمَّ اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولي أمرنا وخذ بناصيته إلى لحق والصواب ووقفه لما فيه صلاح للإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أصلح بطانته، وأبعد عنه بطانة السوء والمفسدين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)،فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.