تكريم الإسلام للمرأة


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وفاوات بينهم فليس الذكر كالأنثى، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله أسر به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والتقوى، وسلم تسليماً كثيرا،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واحذروا من دعاية المظللين، وأفكار المنحرفين، فإن من بيننا اليوم ومن أبنائنا من يسعون في تدمير هذا المجتمع لأنهم مأجورون من قبل دول كافرة يحملون أقلاماً مأجورة وأصواتاً مسعورة ينادون بتشتيت هذا المجتمع، ومن هذا أنهم يردون أن يمردوا المرأة عن آدابها وأخلاقها، وأن يخرجوها عن مهمتها في الحياة، ويلقوا بها في مهامها الضلال والانحلال ويكلفوها من الأعمال ما لا تطيق، وهم بذلك يسعون إلى إفساد هذا المجتمع، ويدعون أن هذا من تحرير المرأة، وهو في الحقيقة من استعباد المرأة لأن تحرير المرأة الصحيح هو ما جاء به الإسلام فقد كرَّم الله المرأة، ورفع منزلتها الائقة بها، فجعل لها حقوقاً، وجعل عليها حقوقاً لابد أن تتقيد بها، والله سبحانه وتعالى سوا بين الرجل والنساء في الجزاء على الأعمال قال سبحانه وتعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)، قال سبحانه وتعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي منزلة نالتها المرأة فوق هذه المنزلة لو كانوا يعلمون، والله سبحانه وتعالى جعل للمرأة حدوداً تمشي عليها إذا تجاوزتها وقعت في الهلاك كما وقعت نظيرتها في الجاهلية والمجتمعات الكافرة قال سبحانه وتعالى:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ)إلى آخر الآية، فأمرها بهذه الآداب العظيمة حمايةً لها، أمرها بالقرار في البيت ولا تخرج إلا لحاجة مع التستر والاحتشام قال الله سبحانه لنساء نبيه وهم القدوة لنساء المؤمنين:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) هذا خطاب لنساء النبي وهو يشمل نساء المؤمنين لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم هن القدوة للمؤمنات، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إيماء مساجد الله وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات ، فخير مال المرأة البقاء في بيتها، وفي بيتها عمل عظيم إذا قامت به أخذت وقتها، فهي التي تحمل وتضع وترضع وتربي وتقوم بأعمال البيت وتحافظ على غياب زوجها:(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)، فهي راعية في بيت زوجها، الرجل يشتغل خارج البيت ويكتسب للجميع، والمرأة تشتغل داخل البيت ويتكافل الجميع ويتعاون الجميع على مهام الحياة، فإذا ما أخرجت من بيتها وشغلت بأعمال الرجال فإن نصف المجتمع يبقى معطلاً وهو عمل البيت لا كما يقولون إن نصف المجتمع معطل ويردون بذلك إخراج المرأة لعمل الرجال خارج البيوت هذا من انتكاس الفطر ومن عمى البصيرة، فالمرأة ليست معطلة بل لها عمل جليل شريف عظيم مع صيانتها وحفظها ورعايتها، جعل الله وليَّها حافظاً عليها:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، فالرجل قيم على المرأة، والمرأة عون للرجل، فإذا قامت المرأة بعملها داخل البيت، وقام الرجل بعمله خارج البيت توفرت المصالح وحصل التعاون على المنافع، وهؤلاء دعاة الضلال المأجورون يردون تخريب البيوت وتدمير البيوت، وأن تبقى خاوية أو تشتغل فيها نساء أجنبيات لا يحملن ما تحملوه الأم من الشفقة والنصيحة وغير ذلك، هذا هو تعطل نصف المجتمع لو كانوا يعقلون، إنهم يردون من المرأة أن تسفر وجهها وأن تكشف حجابها، يردون من المرأة أن تختلط مع الرجال في الدراسة وفي المكاتب وفي كل مجال في الإذاعة في التلفاز في الفضائيات تعرض نفسها متجملةً سافرةً متبرجة تعرض نفسها على العالم، يا أيها العقلاء تفكروا فيما يراد بكم ولا تهلكوا كما هلك من كان قبلكم قال صلى الله عليه وسلم: واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت النساء ، قال صلى الله عليه وسلم: ما ترك بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء ، يردون من المرأة أن تسافر وحدها بدون محرم، أن تذهب إلى حيث شاءت والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعه ذو محرم ، لأنها عرضت للذئاب البشرية يفترسونها إذا وجدنها لوحدها، أما إذا كان معها وليها ومحرمها فإنه يصونها ويخدمها ويقوم بمصالحها ويحافظ عليها، هم يردون أن تضيع في المجتمعات الأخرى، لا يردون بالأمة الإسلامية خيراً أبدا، وإنما يردون أن يقضوا على مقوماتها وأن يهدموا حصونها وأن يتسنى للكفار أن يحتلوا بلاد المسلمين استعمارياً واقتصادياً ودينياً وثقافةً وفكراً، يردون بذلك تدمير المجتمع الإسلامي عن طريق المرأة، وما غزيت البشرية بشيء أخطر من المرأة، فلذلك ركزوا عليها غاية التركيز وصارت هي همهم واشغلهم الشاغل ليلا ونهارا.

فتقوا الله، عباد الله، واحذروا من هؤلاء ومن ضلالهم وحافظوا على بناتكم وزوجاتكم ومحارمكم، فإنكم في زمن فتنة، وفي زمن اختلاط فيه الحابل بالنابل، وقل الحياء وضاعت الحشمة إلا من رحم الله.

فتقوا الله، عباد الله، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله، وإحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيَّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، وانظروا في هذه القضية قضية المرأة التي جعلها المفسدون ديدنهم ليلا ونهارا كانت المرأة في عزة وصيانة وكرامة من ذو بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى وقنا هذا، وقد انتظمت أموار المسلمين رجالاً ونساءً كل ميسر لما خلق له، كل يعمل في جانبه، كان الرجال يعملون ما يليق بهم، وكانت النساء تعملوا ما يليق بها، فإذا اختلطت الأمور وتولت النساء أعمال الرجال وتولى الرجال أعمال النساء فسد المجتمع وحان خرابه ودماره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فهؤلاء يزعمون أنهم يردون كرامة المرأة وإنصافها كما يقولون، إن كرامة المرأة أن تلتزما بأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم كما التزمت بها المسلمات من قبل، وليس كرامة المرأة أن تتولى أعمال الرجال فإن هذا يكون على حساب عفتها وكرامتها ثم هي أيضاً لا تطيق أعمال الرجال فأنت إذا أنزلت إنساناً غير منزلته فقد أهنته، وهو يقولون أن هذا إكرام للمرأة فهذا من انتكاس العقول أو من المغالطات المكشوفة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اتقوا الله، عباد الله، وتفكروا في أمركم وعرفوا عدوكم من صديقكم وخذوا حذركم، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلٌ بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يدا الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شررنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وقنا شر السفهاء منا، اللَّهُمَّ أجعل وليتنا فيما خافك واتقاك وتبع رضا يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصًلح ولي أمرنا، اللَّهُمَّ خذ بناصيته إلى الحق، اللَّهُمَّ وفقه لما فيه صلاحه وصلاح الإسلام والمسلمين وأعنه على ذلك، اللَّهُمَّ أصلح بطانته وأبعد عنه بطانة الشر والمفسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.