بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد،
فإن هذا الموضوع وهو طاعة العلماء والأمراء موضوع مهم جداً، لأنه زلت فيه إقدام وضلت فيه إفهام وحصل بسببه فتن وحروب وقتل وقتيل وضياع أمن، بسبب التفريط في هذا الأصل، الذي هو طاعة أولي الأمر، الله جل وعلا أمرنا بطاعة أولي الأمر، لما يعلمه سبحانه من مصلحتنا في ذلك، وما يترتب على ذلك من الخير الكثير عاجلا وآجلا، ولما في معصيتهم ومخالفتهم و من الشرور والفتن وضياع الأمن وانتشار الخوف والقلق في المجتمع، قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [سورة النساء: 59] وقال النبي عليه الصلاة والسلام أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنه الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وفي رواية وكل ضلالة في النار الله جل وعلا أمر المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) لأنهم هم الذين يمتثلون أمر الله سبحانه وتعالى، بمقتضي إيمانهم، فقال (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) طاعة الله جل وعلا في الدرجة الأولى وهي الأصل وهي الغاية، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله عز وجل، (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) وأولي الأمر هم العلماء والأمراء.
فالعلماء هم ألو الأمر من ناحية إنهم يبلغون عن الله سبحانه وتعالى ما ورثوه عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم من العلم، كما قال صلى الله عليه وسلم (إن العلماء ورثة الأنبياء) فالعلماء لهم شأن في الأمة لأنهم ورثة الأنبياء، فليسوا مثل غيرهم من أفراد الناس لأن الله فضلهم لأنهم ورثة الأنبياء، فهم يبلغون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخلفون من بعده في القيام على مثل ما جاء به صلى الله عليه وسلم تبليغه للناس، فتجب طاعتهم ولا يجوز الاختلاف عليهم، فهم أولوا الأمر من ناحية أنهم يحملون الشريعة ويبلغونها للناس، أمراً ونهياً، وغير ذلك مما ورثوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهم أمر في هذا لا يستهان بهم، لأنهم لا يقولون شيئا من عند أنفسهم، وإنما يقولون ما بلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم الأمر الشرعي العلمي، والأمراء لهم أمر من ناحية السياسة، وتنفيذ شرع الله سبحانه وتعالى، لأنهم بيدهم السلطة، فالعلماء من أولي الأمر من ناحية الشرع، والأمراء بل هم من رأس أولي الأمر من ناحية السلطة التنفيذية، التي ولاهم الله جل وعلا عليها، وفي طاعة العلماء وطاعة الأمراء مصالح عظيمة من استتباب الأمر وتعظيم الشرع والسلامة من الاختلاف والفتن والانضباط في الأمر، الله جل وعلا قال (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [سورة النساء: 83] ردوه إلى الرسول في حياته صلى الله عليه وسلم يرجع إليه وبعد موته يرجع إلى سنته التي ورثها لامته.
وقال إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي، ومنهم الذين يقومون على الكتاب والسنة ويبلغون رسالات الله ويخشون الله هم العلماء الربانيون، والله شرفهم بالعلم، قال صلى الله عليه وسلم (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) لأن القمر يضئ للناس، والعلماء يضيئون للناس بالعلم، وأما الكواكب فإنها تضيء لنفسها فقط، وهم العباد نفعهم قاصر على أنفسهم وعبادتهم قاصر نفعها على أنفسهم، وأما العلماء فنفعهم يتعدى كما يتعدى وجه القمر إلى الكون فيضيء الكون وبهذا يظهر فضل العلماء.
ولهذا إذا فقد العلماء حصل الشرخ والاختلاف، قال صلى الله عليه وسلم (إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال وإنما يقبض العلم بموت العلماء) فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فأفتوا بغير علم، فأضلوا وأضلوا، وما حدث الشرك في قوم نوح إلا بعد فقد العلماء، لأن قوم نوح زين لهم الشيطان أن يصوروا صور الصالحين، يتذكروا أحوالهم بزعمهم ينشطون على العبادة، فأطاعوا الشيطان وصوروا صور الصالحين ونصبوها على مجالسهم، والشيطان يريد لهم الشر ويريد لهم الهلاك، ولكنه لا يقدر مع وجود العلماء، فلذلك لم يأمرهم بعبادة تلك الصور مع وجود العلماء، وإنما انتظر حتى إذا مات العلماء ونسخ العلم أو نسي العلم، قال إن إباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها وبها كانوا يسقون المطر، فعبدوها من دون الله، لما لم يكن فيهم علماء ينهونهم عن ذلك، فحدث الشرك وحدث الدمار في قوم نوح، كما ذكر الله جل وعلا في القرآن، وهذا سببه فقد العلماء، وكذلك في آخر الزمان إذا قبض العلم اتخذ الناس رؤوسا جهالا ليس عندهم علم، فأفتوا بغير علم فأضلوا وأضلوا، أما العلماء الحقيقيون فإنهم يفتون بعلم، أما هؤلاء ليس عندهم علم يفتون به، أفتوا بغير علم، فضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم، وبهذا يظهر فضل العلماء وفضل وجودهم في الأمة، ومن ثم لا يجوز مخالفتهم، ماداموا مستقيمين على العلم الصحيح، لا تجوز مخالفتهم لأنهم ورثة الأنبياء، يبلغون عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتهاون بشأنهم، ونقول نحن وإياهم سواء، لا سواء، ليس العالم كالجاهل، ليس العالم مثل الجاهل، وأما ولاة الأمور فهم الأمراء.
القسم الثاني من ولاة الأمور هم الأمراء، الذين يتولون السلطة فهؤلاء يجب احترامهم ويجب طاعتهم بالمعروف، كما في هذه الآية وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر، أي وأطيعوا أولي الأمر منكم، وقوله منكم أي من المسلمين، أما ولي الأمر الكافر فهذا لا يطيعه المسلم، أما يطيع ولي الأمر المسلم، وأولي الأمر منكم، ثم أيضاً لنعلم أن طاعة العلماء وطاعة الأمراء مربوطة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما لم يخالف كتاباً ولا سنة تجب طاعتهم لا لذاتهم وإنما لما يبلغونه عن الله ورسوله، وهم أمناء، أما إذا أمروا بمعصية، السلطان أمر بمعصية فإنه لا يطاع في هذه المعصية، لكن تبقى طاعته فيما عاداها مما ليس بمعصية.
قال صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال عليه الصلاة والسلام إنما الطاعة في المعروف وقد أمر صلى الله عليه وسلم على سرية أميراً فخرج بهم هذا الأمير وسار بهم، ثم قالوا لهم اجمعوا حطباً قاموا وجمعوا حطباً فقال أوقدوا نارً فقاموا وأوقدوا النار، قال ادخلوا فيها، تراودوا فيما بينهم، كيف ندخل النار، الرسول قالوا أطيعوا أميركم، لكن هل يطيعونه في دخول النار، تراودوا فيما بينهم، فقال خلاقهم، نحن ما اطعنا الرسول إلا لأجل النجاة من النار، فكيف ندخل في النار، فلما رجعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واخبروه قال، لو دخلوها ما خرجوا، منها إنما الطاعة في المعروف، وليست الطاعة في المعصية بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن طاعة الأمراء إنما تكون إذا لم يأمروا بمعصية.
ولكن ليس معنى ذلك أن ولي الأمر إذا أمر بمعصية إنها تنخلع ولايته ويجوز الخروج عليه، لا، يطاع فيما عاداها وهؤلاء الصحابة لم يخرجوا على أميرهم بسبب أنه أمرهم بدخول النار، بل بقوا مطيعين له، لكن لم يطيعوه في هذه المسألة فقط، يجب أن نعرف هذا، وأما إذا أمر الأمراء أو العلماء بمعصية الله أو أحلوا حراما أو حرموا حلال، فلا تجوز طاعتهم في ذلك، والله جل وعلا قال في النصارى (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة التوبة: 31]، وقد بين الرسول الله عليه وسلم لما سأله عدي بن حاتم ما معنى (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ) فقال يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم لأنه كان نصرانيا ثم أسلم رضي الله عنه فهو يخبر عن النصارى أنهم ما كانوا يعبدون الأحبار والرهبان، يعني يركعون لهم ويسجدون لهم ما كنا نعبدهم، قال صلى الله عليه وسلم أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، قال بلى، قال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، قال بلى، قال فتلك عبادتهم، عبادتهم ليست مقصورة على الركوع والسجود، بل طاعتهم في التحريم والتحليل والتشريع، التشريع حق لله التحليل والتحريم حق لله، لا يجوز أن يشاركه في ذلك أحد ولا نطيع من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله، لا نطيعه في ذلك، ونحن نعلم انه قد أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله، لا نطيعه في ذلك، لأن التشريع والتحليل والتحريم حق لله، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة الشورى: 21] والله جل وعلا أخبر أن المشركين يستحلون الميتة، ويقولون أنها مما أحل الله، الميتة والمذبوحة سواء عندهم، يقولون ما الفرق بينهم كل سواء، والله جل وعلا قال : (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ) [سورة الأنعام: 121] هم اعترضوا على هذا وقالوا كله سواء، المذكاة والميتة، بل يقولون أن الميتة أولى بالحل، لأن الله هو الذي ذكاها، أما المذبوحة أنتم ذبحتموها وذكيتموها، قال الله جل وعلا: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [سورة الأنعام: 121] إن أطعتموهم في استباحة الميته إنكم لمشركون مشركون، مشركون في الركوع والسجود لا في التحليل والتحريم، لأن التحليل والتحريم حق لله جل وعلا، فلا نطيع أحداً في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله.
لا نطيع أحداً في هذا وإنما نطيع من أمرنا بما أمر الله به، ومن أحل ما أحله الله وحرم ما حرم الله، هذا نطيعه طاعة لله جل وعلا وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، والآن نسمع من يقول في كثير من الصحف يقول مادامت المسالة فيها خلاف فنحن نأخذ بأي قول، وكل أقوال العلماء سواء فإذا أخذنا بأي قول فقد أطعنا الله وأطعنا الرسول، نقول لا هذا غلط، الله ما أمرنا أن نطيع غيره، أو نطيع غير رسوله، أو غير العلماء الذين يطيعون الله ويطيع رسوله، ما أمرنا أن نطيع كل أحد، وأقوال العلماء يكون فيها الخطأ ويكون فيها الصواب، فنحن نأخذ الصواب الموافق للدليل، ونترك الخطأ المخالف للدليل.
والعلماء ليسوا معصومين فيخطئون ويصيبون، والله جل وعلا قال (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) فالعلماء إذا اختلفوا نرد خلافهم وأقوالهم إلى كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق الدليل أخذنا به ، وما خالف الدليل تركناه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) ولكن لا يجوز لنا أن نأخذ الخطأ، وإنما نأخذ الصواب، الموافق لكتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلنعلم مدى أو روابط طاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء إنها ما وافقت كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم وما خالف ذلك فإننا لا يجوز لنا أن نأخذ ما خالف الكتاب والسنة كائناً من كان، ولكن المجتهد من العلماء إذا أخطا له أجر على اجتهاده ولكن لا يجوز لنا أن نأخذ ما أخطأ فيه، وهو مأجور على اجتهاده ولا نتنقص العالم إذا أخطأ أو نحط من قدره، بل ندعو له، نستغفر له، ونقول هو اجتهد وبذل وسعه.
لكن ما كل مجتهد مصيب والحكم في هذا هو الكتاب والسنة، فلابد من هذه الضوابط في طاعة العلماء والأمراء، وليس إذا خالفنا الأمير أو العالم في خطأ لم نوافقه عليه يكون معنى ذلك إننا نخرج على ولي الأمر ونخلع طاعته أو نستهتر بالعلماء لمجرد خطأ حصل من بعضهم لا يجوز لنا هذا، نحترمهم وإن اخطئوا لكن لا نتبعهم على الخطأ ونطيع الأمراء وولاة الأمور وإن أمروا بمعصية لكن نتجنب المعصية فقط ونطيعهم فيما عاداها، إنما هذا الذي يخرج على العلماء وعلى ولاة الأمور بسبب خطأ يحصل هذه طريقة الخوارج والمعتزلة أما أهل السنة والجماعة فهم مقيمون على طاعة العلماء وعلى طاعة ولاة الأمور فيما وافق الكتاب والسنة ويعتذرون عما خالف الكتاب والسنة ولا يعملون به ولا يمتثلونه ويناصحون من حصل منه الخطأ.
قال صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم) ومن النصيحة بيان الخطأ بالطريقة اللبقة اللائقة لمقامهم، لا نشهر بهم ولا ننشر أخطائهم وإنما نناصحهم فيما بيننا وبينهم سراً وبأسلوب لين، ومؤدب، حتى يحصل المقصود وينتفي المحذور، هذه طريقة أهل السنة والجماعة، لا يشترط في العالم أن يكون معصوماً من الخطأ، ولا يطاع إلا إذا كان معصوماً من الخطأ، من قال هذا ولا يشترط في ولي أمر المسلمين أن يكون معصوماً من الخطأ، لا يشترط هذا، ولكن نأخذ القول الصحيح أو القول الصواب، ونترك ما خالفه، ولا يكون هذا سبباً في نزع اليد من الطاعة أو الخروج على ولاة الأمور، أو احتقار العلماء، أو التقليل من شأنهم، هذا أصلاً يجب معرفته، ويجب التقيد به، فليس معنى إننا لا نطيع في معصية الله، ليس معناه أننا نخرج على العلماء أو على ولاة الأمور، ونخلع صلاحيتهم ونستهين بهم، لا، معناه أننا نترك المعصية ونأخذ بالمعروف والطاعة.
وسنجد ولله والحمد في أقوالهم وفي أوامرهم من الطاعة والخير الكثير، ونجد أن الزلات والأخطاء قليلة، ولا تؤثر ولله لحمد في الأمر شيئاً، فهذا من أصول أهل السنة والجماعة، طاعة أولي الأمر عملا بقوله تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد) هذا في الأمير، فلا يحملنا مظهر ولي الأمر على أن نحتقره، أو نتساهل في أوامره، ولو كان عبداً حبشياً، لأن ليس العبرة بشخصه، وإنما العبرة بمنصبه، والعبرة بمكانته، من الأمر، وإن تأمر عليكم عبد وفي رواية عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة، فالاعتبار بمناصبهم ومقامهم، وليس الاعتبار بشخصياتهم وأيضاً، ربما يكون شخص ليس شيئاً في المنظر لكنه عند الله عظيم رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، ثم قال صلى الله عليه وسلم (فإنه من يعش منكم فسيرى إختلافا كبيراً) ما النجاة من هذا الاختلاف، يأتي دور العلماء، عند الاختلاف، فعليكم بسنتي وسنه الخلفاء من الذي يعرف سنه الرسول وسنه الخلفاء، من هو الذي يعرفها كل أحد؟ لا، إنما يعرفها العلماء فنتبع العلماء الذين يعرفون سنه الرسول صلى الله عليه وسلم وسنه الخلفاء الراشدين بما أعطاهم الله من العلم، وأورثهم من العلم، فنرجع إليهم إتباعاً لسنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنه خلفائه الراشدين الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله تعالى عنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يعرف هذا إلا أهل العلم، فنحن نتمسك بسنة الرسول بواسطة أهل العلم الذين يعرفوننا بها، ويدلوننا عليها، ما كل أحد يعرف سنه الرسول، وسنه الخلفاء الراشدين، إلا أهل العلم والبصيرة، فهم دليلنا وثقتنا إلى سنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الطريق الصحيح عند الاختلاف وعند الفتن، طاعة ولاة الأمور، ولما أخبر صلى الله عليه وسلم عن تغير الأحوال بعده صلى الله عليه وسلم، وأنه يأتي بعده تغييرات ويأتي بعده اختلافات، ويأتي بعده فتن، ودعاة ضلال، قال له حذيفة رضي الله عنه ما تأمرني إن أدركني ذلك، قال أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، تلزم جماعة المسلمين، وإمام المسلمين، قال فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة، قال اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بلزوم جماعة المسلمين، وإمام المسلمين، لأن هذا فيه النجاة من الفتن، والاجتماع رحمة، الاجتماع على الحق رحمة، والاختلاف عذاب وشقاء.
ومما يؤلف بين الناس ويجمع القلوب ويجمع الكلمة، طاعة أولي الأمر، من الأمراء والعلماء بالضوابط التي جاءت بها الأدلة، هذا هو سبيل النجاة وسبيل الفلاح، وعندما يكثر الخوض ويكثر التعالم كما في هذا الزمان وتكثر الفتاوى والأقوال في الفضائيات وغيرها، يحصل الإرتباك، نرجع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنه الخلفاء الراشدين) ومن كان عليها من أهل العلم والثبات ونترك أقوال الناس نترك الفوضى نرجع إلى الانضباط والإتلاف والتمسك بالكتاب والسنة، فمن كان عالماً بذلك فالحمد لله يعمل بعلمه، ومن لم يكن عالماً فإنه يرجع إلى العلماء، الذين هم من أولي الأمر، ولا نستهن بالعلماء، فأنهم النجوم تقتدي بها في ظلمات البر والبحر، وإذا فقدوا والعياذ بالله ضاعت الأمة ولا ينفع أن يكون فيهم متعالمون أو فيهم رؤوس جهال يفتونهم بغير علم، فيضلون ويضلون نسأل الله العافية والسلامة، و صلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين.