حرمة قتل النفس


الخطبة الأولى

الحمد لله على نعمة الأمن والاستقرار، أحمده وأشكره على نعمه الغزار وفضله المدرار، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،الواحد القهار،وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار،وسلم تسليما كثير،   أما بعد:

أيُّها الناس، لا يخفى على الجميع ما كانت تعيشه هذه البلاد في الزمان السابق من الخوف والجوع وعدم الاستقرار حتى من الله عليها بقيام هذه الدولة المباركة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي وحدها على الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم الشريعة الإسلامية حتى أطمئن أهلها وأدر الله عليهم الأرزاق ومنحهم الأمن والاستقرار والاجتماع بعد الفرقة وأغناهم بعد العيلة صارت تعيش في أمن وارف وفي نعمة عظيمة ولا يخفى أن أمن هذه البلاد هو امن لجميع المسلمين في أقطار الأرض من الحجاج والمعتمرين فيها قبلة المسلمين وفيها تؤدى أركان الحج والمعمرة ويفيد إليها المسلمين من كل مكان فأمنها أمن لجميع المسلمين في أقطار الأرض فلذلك يجب المحافظة عليه وترسخوه ودفع المكائد التي تكاد لهذه البلاد لأن العدو يعلم أن هذه البلاد هي مركز العالم الإسلامي فإذا دب فيها الخوف والتفرق فإن ذلك ينتشر على المسلمين في كل مكان ولذلك لما عجز العدو عن تقويض الأمن في هذه البلاد في قوة السلاح لجئوا إلى المكر والحيرة والخديعة فجردوا طائفةً من أبناء المسلمين من هذه البلاد ولقنوهم أفكار خبيثة وأفكار ما كره خفية بحجة الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيل الله فعلموهم على التخريب والتفجيرات وسفك الدماء يردون بذلك زعزعة هذه الأمن ويردون بذلك إزالة هذه النعمة التي تعيشها هذه البلاد ويعيشها من وراءه المسلمون في كل مكان فلذلك غرروا فئة من شبابنا وأبناءنا وسمموا أفكارهم ولقنوهم أفكار خبيثة ما كره وعلموهم ودربوهم على الخيانة وعلى الغدر وعلى التخريب وعلى التفجير ليزعزعوا هذا الأمن وليفرقوا هذا المجتمع المتماسك على كتاب الله وسنة رسوله فعلينا جميعا السمع والطاعة لولاة أمورنا بالمعروف وعلينا أيضا لزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين وعلينا جميعا أن نحافظ على أبناءنا ونرد عنهم هذه الحيل الخبيثة وهذه الأفكار التي تتسلل إليهم من كل جهة على أيدي أعداء الإسلام وهي باسم الإسلام وباسم الجهاد في سبيل الله فحصل ما تعلمونه ونخاف ما يحصل ما أشد منه إذا لم نتدارك أمرنا ونستيقظ لمكر أعداءنا.

فلنتقي الله سبحانه، ولنشكره على هذه النعمة لألا تزولا من بين أيدينا إنهم يسمون هذا التخريب يسمونه الجهاد في سبيل الله وكذبوا إنه والله الجهاد في سبيل الشيطان (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) فهذا قتال في سبيل الشيطان وفي سبيل الطاغوت وليس في سبيل الله، وكيف يكون جهاداً في سبيل الله وهو تخريب الأوطان المسلمين وهو زعزعة لأمن المسلمين وهو قتل للأنفس البريئة الذي حرم الله قتلها قال سبحانه:(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) والنفس التي حرم الله قتلها هي النفس المؤمنة والنفس المعاهدة والنفس المستأمنة كلها مما حرم الله قال الله جلَّ وعلا:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجدوا من مسيرة أربعين أو سبعين سنة فالمعاهد والمستأمن من الكفار الذي له عهد مع المسلمين أو أمان مع المسلمين أو جاء إلى بلاد المسلمين بأمر منهم وأذن منهم هذا له الحرمة حتى يرجع إلى بلده (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) والله سبحانه وتعالى كما أوجب الدية والكفارة في قتل المسلم خطئاً أوجبهما كذلك في قتل المعاهد قال سبحانه وتعالى:( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله تعالى:( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) فأوجب في نفس المعاهد إذا قتل خطئاً ما في نفس المؤمن إذا قتل خطئاً مما يدل على حرمة المعاهد وإن حرمته كحرمة المسلم وأن نفسه مضمونة بالدية والكفارة، فليتقي الله هؤلاء الجهلة الذين يزعمون أن قتل المسلمين وقل المعاهدين والمستأمنين أنه من الجهاد في سبيل الله إنه من الإثم والعدوان إنه معصية لله ولرسوله، وكذلك يزعمون أن من فجَّر نفسه وامتحن أنه شهيد وهو والله في نار جهنم وأين له الشهادة وهو يقتل نفسه متعمداً قال صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم، ومن ترد من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم، من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يجأُ بها نفسه في نار جهنم والله جلَّ وعلا قال:( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)، كان رجل من الشجعان يجاهد مع المسلمين ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدى الغزوات وكان لا يدع للكفار شاذتاً ولا فاذه إلا تتبعها فقال المسلمون ما رأينا مثل فلان أبلى بلاءاً حسنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: هو في النار فتعجب الصحابة من ذلك كيف يكون هذا المجاهد الذي أبدى شجاعة وبسالة في سبيل الله وفي الفتك بالكفار يكون في النار عند ذلك تتبعه أحد المسلمين وبينما هو يقاتل إذ جرح جراحةً عميقة فلم جرح اخذ سيفه وجعل غمده على الأرض ونصله إلى الأعلى ذبابته إلى الأعلى ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال الصحابي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مجاهد باسل شجاع قاتل في سبيل الله لم لا يصبر على الجراح قتل نفسه صار من أهل النار فكيف يكون هؤلاء المنتحرون الذين يفجرون أنفسهم ويقطعونها قطعاً كيف يكونون من أهل الجنة، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم من أهل النار والله جل وعلا أخبر أنهم من أهل النار (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)، فليتقي الله هؤلاء من أبناء المسلمين وليتوبوا إلى رشدهم ولا يغتروا بدعاية أعدائهم وليكونوا مع إخوانهم المسلمين يجاهدون دون حرمات المسلمين ليكونوا في صف المسلمين ولا يكونوا ضد المسلمين وعلينا جميعاً أن نتعاون مع حكومتنا ومع رجال أمننا ضد هؤلاء فلا نتستر على أحد منهم ونحن نعلمه بل لابد أن نتعاون مع ولاة الأمور لأن هذا لمصالحة الجميع والأمن للجميع، فعلينا أن نحافظ عليه.

اتقوا الله، عباد الله، حافظوا أمنكم أحذروا من كيد عدوكم حافظوا على أنباءكم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، وتتمة للإجابة عن قولهم إن الانتحار وإن قتل النفس إنه استشهاد في سبيل الله ويستدلون ذلك بالآيات التي فيها فضل الشهداء (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ)هؤلاء أعمى الله بصائرهم لأن الآيات فيها (الَّذِينَ قُتِلُوا) ولم يقل الذين قتلوا أنفسهم بل (الَّذِينَ قُتِلُوا) يعني قتلهم الكفار فهؤلاء في سبيل الله شهداء، أما الذين قتلوا أنفسهم فهم في سبيل الشيطان ومأواهم النار وبئس القرار، فليعلموا هذا، وليدعوا عنهم هذه الشبهات الباطلة وليتعلموا أمور دينهم وليتعلموا عقيدتهم من الكتاب والسنة حتى يكونوا على بصيرة ولا يأخذوا عقيدتهم عن أعدائهم وعن الكفار والفجار والمتعالمين الذين أوردوهم الموارد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم أعلموا يا عباد الله أنكم في شهر عظيم وفي وسطه في العشر الأوسط منه هذا الشهر الذي هو شهر الرحمة وشهر المغفرة وشهر عتق من النار لأنه يهلوا على المسلمين، والمسلمون متفاوتنا في درجاتهم فمنهم المحسن المستقيم على طاعة الله قبل دخول هذا الشهر فهذه يزيده هذا الشهر طاعة إلى طاعته وإحسان إلى إحسانه فينال رحمة الله قال الله جلَّ وعلا:( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ)، والنوع الثاني من عنده ذنوب صغائر كثيرة فإذا جاء هذا الشهر وصامه وقامه واحتسب أجره فإن الله يكفر عنه ذنوبه الصغائر قال صلى الله عليه وسلم: صلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفرة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ، والصنف الثالث قوم عندهم كبائر يستحقون بها دخول النار ولكن إذا جاء هذا الشهر تابوا إلى الله من هذه الكبائر واستغفروه ورجعوا إليه فيعتقهم الله من النار فهو شهر عظيم وموسم كريم، حافظوا على أوقاته بالصيام والقيام وذكر الله وتلاوة القرآن فإنه شهر كله خير، كله بركة فلا تضيعوه أو تضيعوا شيئاً منه بغير فائدة أو بغفلة ولهو فإنه مار وعابر وشاهد علينا جميعاً بما أودعنه من خير أو من شر فهو شاهد عند الله سبحانه وتعالى علينا يوم القيامة.

فتقوا الله، عباد الله، واعرفوا لشهركم قيمته وتداركوا قبل فواته (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر،وعمرَ،وعثمانَ،وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين،اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح سلطاننا وولاة أمرونا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللهم أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين،(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.