ملازمة تقوى الله تعالى في جميع الأحوال


الخطبة الأولى

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خاف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وسلم تسليما كثير،   أما بعد:

أيُّها الناس: اتقوا الله تعالى، لقد أمرنا الله جل وعلا بتقواه، وحثنا عليها في كثير من الآيات،  تقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى:( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) أمر الله بها جميع الناس فقال سبحانه وتعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) وأمر بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ الله) وأمر بها عموم المؤمنين فقال سبحانه وتعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). والتقوى معناها في اللغة العربية: أن تجعل بينك وبين ما تحذر وقاية تقيك منه كما تجعل وقاية بينك وبين الشيء الحار، وتجعل بينك وبين الشوك والحصى وقايةً لرجليك، وتجعل وقاية لجسمك من الحر، ووقاية له من البرد، ووقاية له من السلاح، فالتقوى هي بهذا المعنى، أن جعل بينك وبين ما تكره وقاية تقيه منه. وأما معنى التقوى في الشرع: فهي كما بينها أهل العلم بقولهم: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد للرحيل، والقناعة بالقليل. فتقوى الله كلمة جامعة، تجمع خصال الخير وأعمال البر، وهي شعار المؤمن، وقد وعد الله المتقين بوعود عظيمة قال سبحانه وتعالى:(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) التقوى هي شعار أولياء الله  المخلصين، قال سبحانه وتعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ومتعلقات التقوى كثيرة، أولها: تقوى الله سبحانه وتعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وتقوى الله جل وعلا هي بفعل أوامره وترك نواهيه والخوف منه سبحانه وتعالى، وكذلك أمرنا الله أن نتقي النار قال سبحانه وتعالى:( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) واتقاء النار يكون بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، فمن وقع في المحرمات أو ترك شيئاً من  الواجبات فقد عرض نفسه لدخول النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتقوى الله سبحانه وتعالى كذلك يستشعرها المسلم في كل تصرفاته وأعماله، قال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت النساء" فالمسلم يتقي المرأة التي لا تحل له بأن يتجنبها ويتجنب النظر إليها والخلوة بها وجميع ما يربطه بها ممن يخشى منه الفتنة فيبتعد عن المرأة التي لا تحل له من كل وجه، وكذلك الله سبحانه وتعالى أمر أن نتقي الشبهات وهي الأمور الملتبسة التي لا يدرى هل هي من الحل أو من الحرام؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" .

عباد الله: إن التقوى هي مضمون لا إله إلا الله: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وكلمة التقوى هي لا إله إلا الله؛ لأنها تقي صاحبها من الشرك، وتقي صاحبها من البدع والمحدثات، وتقي صاحبها من كل ما يسخط الله عز وجل، فهي كلمة عظيمة ووقاية منيعة لمن عرف معناها وعمل بمقتضاها، وكذلك تقوى الله سبحانه وتعالى ينجي  بها الله المؤمنين إذا مروا على الصراط يوم القيامة قال تعالى:( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) قال الله جل وعلا:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يستطيع أن يتقي الله حق تقاته؛ لأن تقواه حق تقاته أمرٌ عظيمٌ فأنزل الله جل وعلا:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فقوله سبحانه:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) إما ناسخ لقوله:(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) وإما مفسرة لها ومبينة لها وهذا هو الراجح أنها مفسرة وليست ناسخة، فمن اتقى الله حق تقاته، فمن اتقى الله حسب استطاعته لقد اتقى الله حق تقاته.

عباد الله، لازموا تقوى الله في كل تصرفاتكم وفي كل أحوالكم وحيث ما كنتم قال صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، واتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" لأن من الناس من يظهر التقوى إذا كان مع الناس أو حوله من ينظر إليه فإذا خلا عن الناس بارز الله بالمعاصي، من الناس من يظهر التقوى إذا كان في بلاد المسلمين فإذا ذهب إلى بلاد الكفار صار مثلهم يفعل فعلهم ويظهر بمظاهرهم ويظن أنه لا أحد يراه ولا أحد يطلع عليه ونسي الله سبحانه أنه يطلع عليه في كل مكان، ولهذا يجب عليه أن يتقي الله حيثما كان: في بر أو بحر أو جو في بلاد المسلمين وخارج بلاد المسلمين، وفي أي مكان من أرض الله يكون شعاره تقوى الله سبحانه وتعالى دائماً وأبدا.

فاتقوا الله، عباد الله، لتكونوا من أهل التقوى وتكونوا من أهلها لتكونوا من أهل التقوى وتكونوا أحق بها جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيُّها الناس: اتقوا الله سبحانه وتعالى، واعلموا أن كلمة التقوى ليست لفظاً يقال في اللسان فقط وإنما هي كلمة عظيمة كلمة لها معناها ومدلولها، فيجب على المسلم أن يعرف معنى التقوى وأن يعمل بها في كل أحواله وفي أي مجال كان وبأي مكان وجد وفي أي وقت كان دائماً وأبدا، فولي أمر المسلمين والولي العام وإمام المسلمين يجب عليه أن يتقي الله في رعيته، وكذلك صاحب البيت يجب عليه أن يتقي الله في أهل بيته فيجنبهم ما يسخط الله ويلزمهم بطاعة الله قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) مدير الدائرة الوظيفية يجب عليه أن يتقي الله في منسوبيه وفي دائرته فيقيم فيها طاعة الله ويجنبها معصية الله ويتفقد منسوبيه مع تقوى الله سبحانه وتعالى في أداء أعمالهم على الوجه المطلوب وفي أداء حق الله عليهم وفي محافظتهم على الصلوات وترك المحرمات، وكذلك أفراد الموظفين يجب عليهم ان يتقوا الله في وظائفهم ويؤدوا أعمالهم ولا يتغيبوا بغير حق ولا يؤخروا أعمال الناس ويضطروهم إلى المشقة بل يبادروا ولا يحيفوا مع أحد ويقدموا ويؤخروا بعض المراجعين بل يلتزموا العدالة ويتقوا الله سبحانه وتعالى، وحتى مالك البهائم يجب عليه أن يتقي الله فيها وأن لا يشق عليها وأن لا يحبس عنها طعامها وشرابها وحتى لو كانت غير مملوكة له يحسن إليها، فقد دخلت النار امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وتاب الله على امرأة بغي في كلب سقته وجدته يلهث من العطش ويلهم الثرى من العطش فنزلت في البئر وحملت له ماءاً في خفها فسقته للكلب فشكر الله لها ذلك وغفر لها، فالواجب على المسلم أن يتقي الله أولا في نفسه ثم أن يتقي الله فيما ولاه الله عليه من الولايات على اختلاف أنواعها، يتقي الله في جميع أحواله، وكذلك الذي يبيع ويشتري ويتعامل مع الناس عليه أن يتقي الله في حقوق الناس، عليه ان يتجنب الربا أن يتجنب القمار والميسر أن يتجنب الرشوة أن يتجنب الكذب أن يلزم التقوى في تعاملاته مع الناس وأن يقنع بما أحل الله ويترك ما حرم الله فتقوا الله دائماً وأبدا شعار المسلم في أي مجال كان وفي أي عمل يكون يتقي ربه سبحانه وتعالى، إذا عرضت له فتنة وشهوة فإنه يتقي الله ويتركها خوفاً من الله سبحانه وتعالى ولا يتبع نفسه هواها، يتقي الله في نفسه فيحفظها مما يضر بها، يتقي الله في كل أموره وفي كل شئونه.

ثم اعلموا رحمكم الله، أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجعلهم هداة مهددين غير ضالين ولا مظلين، الله أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.