شرح كتاب التوحيد 11-05-1437هـ


المقدَّم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى قَائْدُ الغَّرُ المحَجَلِيْن نَبِيِّنَا مُحَمَّدُ وَعَلَىْ آَلِه وَصَحَبِه أَجْمَعِيْن.
مرحبًا بكم أيها الأخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ضيف هذا الدرس هوفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء؛ أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم .
المقدَّم: كنَّا قرأنا في باب قولِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، قرأنا الآيات في هذا الباب وبعض الأحاديث، بقى حديث عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-.
المتن:
وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» رَوَاهُ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِه.
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأَصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ.
الشرح: لمَّا وَلِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- الخلافة كتب إلى أمُ المؤمِنين عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا- يطلب منها النصيحة له، فكتبت له بهذا الحديث.
عن رَسُول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ»، لأن القلوب بيد الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-، فالإنسان لا يُعلق أمله بالناس، وينسى اللهَ -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-، بل يُعلق قلبه بالله -عَزّ وَجَلّ- وأمله بالله -عَزّ وَجَلّ-.
كذلك يُقدَّم رضا الله إذا تعارض رضا الناس مع رضا الله فإنه يقدَّم رضا اللهَ -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-، فلا يلتمس رضا الناس بسخط اللهِ -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-، وإذا قدَّم رضا الله رضي عنه وأرضى عنه الناس. وإذا قدَّم رضا الناس على رضا الله لم يحُصل له مطلوبه، بل سَخِط اللهُ عليه وأسْخَطَ عليه الناس.
وفي هذا أن الإنسان لا يقدَّم على رضا الله شيء، ويخاف اللهَ -عَزّ وَجَلّ- خوفًا خالصًا، والناس إنما يخافهم خوفًا دون ذلك، ويعمل الأسباب الواقية من شرهم، وإذا إعتمد الإنسان على الله وقدَّم رضا الله على رضا الناس فإن اللهُ يكُفّ عنه الشر، لأن قلوب العباد بيد الله ونواصي العباد بيد الله -عَزّ وَجَلّ-، فإذا أرضيت الله رضي اللهُ عنك وأرضى عنك الناس. والعكس بالعكس إذا أرضيت الناس وأسخطت الله سخط عليك وأسخط عليك الناس. مع إنك تحاول إرضاهم وقدَّمت رضاهم على رضا الله فانعكس الأمر عليك، لأن القلوب بيد الله، وهذا فيه وجوب التوكل على الله -سُبحانَهُ- وإفراد الخوف من الله -عَزّ وَجَلّ- وهذا نوعٌ من أنواع العبادة.
المتن:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب مَسَّائلٌ عُدة: الأولى: إنَّ اليقينُ يضُعُف ويَقوى؟
الشرح:
نعم، لا شك أن الإيمان واليقين يَضُعف ويقوى، والتوكل على الله يَضُعف ويقوى، يقوى بالإيمان بالله -عَزّ وَجَلّ- بطاعة الله ويضُعف بمعصية الله ومخالفة أوامر الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى- حتى ربما لا يبقى منه شيء.
المتن:
المسألةُ التالية: أن إخْلَاص الخَوْف مِنْ اللهِ -عَزّ وَجَلّ- مِنْ الفَرَائِض.
الشرح: نعم، أن إخلاص الخوف من الله -عَزّ وَجَلّ- وترك الخوف من المخلوقين، الخوف الذي يؤثر في العقيدة، فإذا ترك ذلك فإن الله يحميه ويحفظه مما يخاف، ويؤمنه مما يكره، لأنه لجأ إلى الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى- ونعم الملجأ.
أمَّا إذا كان الأمر بالعكس، أنه يخاف من الناس ويقدَّم رضا الناس على رضا الله فإن اللهُ يعكس عليه الأمر كما سبق. واليقينُ يزيد وينقُص؛ كالإيمانِ يزيد وينقُص.
المتن: المسألةُ التالية: ذِكْرُ ثوابِ مَنْ فَعَلَهُ.
الشرح: مَنْ قدَّمَ رِضا اللهِ على رِضا الناس: أنَّ ثوابَهُ أنَّ اللهَ يرضى عنه، وإذا رَضِيَ اللهُ عنهُ سَعِدَ في الدنيا والآخرةِ سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، وأرْضَى عنهُ الناسَ أيضًا، لأن قلوب العِبادِ بيَدِ اللهِ -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-.
المتن: المسألةُ التالية: ذِكْرُ عَذَابِ مَنْ تَرَكَهُ.
الشرح: مَنْ تَرَكَ رِضا الله -عزّ وجلّ- أنَّ اللهَ يسْخَط عليه، ويُسْخِطُ عليه الناس، فيجتمعُ عليه السَّخَطان: سَخَطُ اللهِ، وسَخَطُ الناسِ أيضًا، وهذا يدُلُّ على أنَّ القلوب بيَدِ اللهِ -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-.
السؤال:
هل الأفضل للإنسان أنْ يُغَلِّب جانب الخوف أو يُغَلِّب جانب الرَّجاء؟
الجواب:
يقولون: ما دام الإنسان على قَيد الحياة فإنَّهُ يتعادل عنده الخوف والرجاء، لا يُغَلِّب جانِبًا على جانِبٍ؛ كجنَاحَي الطائر، إذا اختلّ واحدٌ مِنَ الجَنَاحَين سَقَطَ الطائر، كذلك الخوفُ والرّجاءُ: إذا حصل فيهما خللٌ في أحدهما فإنَّ الإيمانَ يتأثر بذلك بلا شكٍّ.
فما دام الإنسان مُعافىً وعلى قَيد الحياةِ فإنَّهُ يُعادِل بين الخوف والرّجاء، لا يُغَلِّب جانِبًا على جانِبٍ.
أمَّا إذا حَضَرَتهُ الوفاة أو مَرِضَ مَرَضَ الموتِ فإنّه يُغَلِّب جانب الرّجاء على جانب الخوف، لأن العمل انتهى فلم يبقَ إلا الرّجاء باللهِ-عزّ وجلّ-، فيُغَلِّب جانب الرّجاء على جانب الخوف.
وفي الحديثِ: «لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وفي الحديثِ الآخرِ: أنَّ اللهَ-جلّ وعلا- يقول: «عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ».
السؤال:
خوفُ السِّر ما هو؟
الجواب:
خوفُ العِبادة؛ الّذي يترُك الإنسان طاعة اللهِ مِنْ أجلِهِ، هذا خوفُ السِّر؛ خوفُ العِبادةِ، وهو موضوع الباب.
أمَّا الخوف الطبيعي هذا لا يُلام عليه الإنسان ولا يُعَذَّب عليه ولا يأثم، تخاف مِنَ السَّبع وتخاف مِنَ العدوّ، تخاف مِنَ الجوعِ وتخاف مِنَ المَضَارّ، هذا شيءٌ طبيعيٌّ لا يضُرّ.
السؤال:
الخوفُ مِنَ المخلوق متى يكون مذمومًا؟
الجواب:
إذا قدَّمَ الخوف أو رَجَّحَ الخوف مِنَ المخلوق على خوفِ اللهِ -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-.
السؤال:
مُناسبة الخوف لكتاب التوحيد؟
الجواب:
كما ذَكَرْنا: أنَّ الخوفَ نوعٌ مِنْ أنواعِ العِبادة، يجب إخلاصُهُ للهِ -عزّ وَجَلّ- وعدم الإشراك به.
فالآن والعياذُ بالله الّذين يعبدون القبور والأضرِحة يخافون مِنَ الأموات، يخافون أنَّهم ينقُصونهم وأنَّهم يضُرُّونهم، يُبْتَلون بهذا فيتقرّبون إلى الأمواتِ إرضاءً لهم، ويُشْرِكون باللهِ-عزّ وجلّ-، هذه مصيبةٌ عظيمةٌ؛ نتيجة لأنهم خافوا مِنَ الأمواتِ، فصاروا يتقرَّبون إليهم بشيءٍ مِنَ الطاعاتِ والعِباداتِ لأجل أنْ يَسْلموا مِنْ شَرِّهم وضَرَرهم بزعمهم، وهذا لا شكّ أنَّهُ مِنْ عمل الشيطان في قلوبِ بني آدم.
السؤال:
ما معنى (يُخَوِّفُ)؟ وهل هناك فَرْقٌ بين الخَشية والخوف؟
الجواب:
لا فَرْقَ بينهما، الخوف والخشية بمعنىً واحدٍ، (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَه): قيل معناه أنَّهُ يُخَوِّفُ أولياءه بِكُم أيها المسلمون، الشيطان يُخَوِّف الكُفَّار مِنْ شَرِّ المُسلمين بزعمِهِ، وقيل معناه (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَه): يُخَوِّف المُسلمين مِنْ أولياء الشّيطان؛ كما في الآيةِ: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، فالمؤمن لا يتَضَعْضَع إيمانُهُ عند ذلك ولا يقينُهُ برَبِّهِ، ولا ثِقَتُهُ بِرَبِّهِ، مهما بَلَغَ الكَرْب وبَلَغَ الأمر.
السؤال:
ما ثمرات الخوف مِنَ اللهِ؟
الجواب:
ثمراتُ الخوفِ كثَمَراتِ بقية العِبادة، أنها تحقيقٌ للتوحيد، وأيضًا لِيَنال رِضا اللهِ-عزّ وَجَلّ-، وأنَّ اللهَ يحميه ويحفظه ويُصلِح شأنه.
السؤال:
مِنَ السبعةِ الّذين يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّهِ: الشّابُّ الّذي قال: إنِّي أخافُ اللهَ، هل مِنْ كلمةٍ نختِم بها هذا الدّرسَ؟
الجواب:
 مِنَ السبعةِ الّذين يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلّا ظِلّه: رَجُلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصِبٍ وجمالٍ؛ دَعتهُ إلى نفسِها، دَعَتهُ للزنا بها -والعياذُ بالله-، ذات منصبٍ وذات جمالٍ: مُغريات للزنا، ومع هذا قال: إنِّي أخافُ الله، وتَرَكها، فهذا قَدّمَ مخافةَ اللهِ على ما تُحِبُّهُ نفسُهُ، وما تهواه نفسُهُ، فحَصَل أنَّه يكون في ظِلِّ اللهِ يوم القيامة.