الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألهيته وأسمائه وصفاته ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثير. أما بعد:
أيها الناس، (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، قال الله سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)، (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ)، فتمسكوا بالإسلام فإنه طريق النجاة، والموصل إلى الجنات.
والإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، ليس الإسلام بالتسمي ولا بالانتساب ولا بالهوية، وإنما الإسلام هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو دين جميع الأنبياء: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، فكل الأنبياء وأتباعهم على الإسلام وإن اختلفت شرائعهم فإنهم كلهم على الإسلام لله عز وجل، إلى أن بعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم فصار الإسلام هو ما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم مصدقا لمن قبله من الكتاب ومهيمناً عليه ومصدقا لما قبله من إخوانه النبيين والمرسلين فهذا هو دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه، فعرفوا حقيقته، تمسكوا بأحكامه، وعملوا بشريعته، فإنه هو الذي جمع العرب والعجم تحت لوائه فصاروا إخوة متحابين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أشكلت هذه الآية على الصحابة رضي الله عنهم فقالوا: ومن يطيق أن يتقي الله حق تقاته فإن حق الله عظيم فأنزل الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى الله حق تقاته، والله يعفو عما لا يطيقه الإنسان ولا يقدر عليه: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)، (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لأن الأعمال بالخواتيم، فمن مات على الإسلام نجا وأفلح وفاز عند الله سبحانه وتعالى، ومن مات على غير الإسلام فهو من الخاسرين الهالكين، دون نظر إلى نسبه إلى مكانته، إلى قبيلته، إلى بلده، فالنظر إنما هو إلى التقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، ليس الكرم بالإنسانية ولا بالنسب ولا بالقبيلة، وإنما هو بتقوى الله سبحانه وتعالى، وهو الله الذي لا يقبل من أحد سواه، فقوله: (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) فيه الحث على التمسك بالإسلام إلى الممات، لا يتخلى عنه الإنسان منذ يبلغ الحلم إلى أن يموت، يكون متمسكا بالإسلام لأنه لا يدري متى يفجأه الموت فإذا كان فرط في الإسلام ونزل به الموت صار من أهل النار، وإذا كان متمسكا بالإسلام وأتاه الموت وهو متمسك به صار من أهل الجنة، ولهذا يمتحن الميت إذا وضع في قبره فيأتيه ملكان فيجلسانه تعاد روحه في جسده فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ فالمسلم يقول ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم، والمنافق والمرتاب يتلجلج ويرتبك ويقول: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيقولان له: لا دريت ولا تليت، فيضرب بمرزبة من حديد يصيح بها صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس، فلا نجاة إلا بالإسلام في الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا ينجو به من الكفر والشرك، وينجو به من الفتن والمحدثات، وينجو به من الأفكار المنحرفة، وفي الآخرة ينجو به من النار، ويدخل به الجنة، هذه هي السعادة الأبدية أو الشقاوة الأبدية، فلا نجاة إلا بالإسلام في الدنيا وفي الآخرة؛ لكن يجب أن نعرف ما هو الإسلام؟ كل منا يقول أنا مسلم، لكن لابد أن نعرف ما هو الإسلام أولا؟ ثم نعمل به ما يكفي المعرفة لا الدعوة تكفي والانتساب، ولا المعرفة تكفي ولابد من الحقيقة والعمل، فالإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، فالمشرك والكافر ليس بمسلم، وإن ادعى أنه مسلم مثل ما عليه عباد القبور الذين يقولون لا إله إلا الله نحن مسلمون ثم يقولون يا علي، يا حسين، يا عبدالقادر، يا بدوي يا فلان يا علان يدعون من دون الله، (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) فيسمون الشرك توسلا وطلبا للشفاعة، وهو الشرك وإن غير اسمه فهو الشرك لا يتغير، الحقائق لا تتغير باختلاف بالأسماء إنما هو الشرك.
فعلى المسلم أن يعرف دينه، وأن يتمسك به، وأن يسأل الله الثبات عليه، وأن يموت عليه فقد جاء في الحديث: إِنَّ العبد لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ العبد لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، فالأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ، نسأل الله حسن الخاتمة.
فاتقوا الله عباد الله، تمسكوا بهذا الدين، دين الإسلام الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الإسلام الذي ألف الله به بين قلوب العرب والعجم، وبين الأبيض والأسود، ألف به بين سلمان وعمار وبلال وصهيب، وبين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة فجعلهم إخوةً متحابين في الإسلام، ولهذا يقول الله سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ) أي: الله سبحانه، (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، إذا نظرة إلى المسجد الحرام الذين يصلون فيه كل وقت نظرة إلى الأبيض والأحمر والأسود والعربي والعجمي مختلف الجنسيات، من الذي جمعهم وألف بينهم إنه الإسلام يا عباد الله، إنه الدين هو الذي جمعهم وألف بينهم وجعلهم صفوفا بعضهم إلى جانب بعض، لا فرق على عربي على أعجمي ولا على أبيض على أسود ولا لأحمر إلا بالتقوى.
فاتقوا الله عباد الله، تمسكوا بدينكم لتموتوا عليه وتبعثوا عليه تدخلوا به الجنة، لا تفرطوا في دينكم فإن الفتن الآن شديدة والصوارف عن الإسلام متعددة، دعاة الضلال من كل ناحية يردون أن يخرجوا المسلمين، يحاولون أن يصدوهم عنه أولا، فإن لم يستطيعوا صدهم عنه فإنهم يحاولون أن يخرجوهم منه بعدما يدخلون فيه.
فاتقوا الله عباد الله، أحرصوا على دينكم، وحذروا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واحذروا من الفتن التي تصرفكم عن دينكم، فالفتن الآن عظيمة ودعاة الضلال من الداخل والخارج كثيرون لا يألون جهدا ليلا ونهارا عن الصد عن هذا الدين وعن إخراج المسلمين عن دينهم وقد ساعدتهم هذه المخترعات التي جعلها الله فتنة للناس تصل إلى الناس في بيوتهم تويترات هذه المخترعات الدقيقة وسائل التواصل الاجتماعي كما يسمونها الانترنت وما ينشر فيها يصل إلى يد الصغير والكبير والذكر والأنثى، يصل إلى البيوت إلى قعر البيوت ينشر فيها كل ضلال وكل شر، وكل فكر ملحد مما غير الكثير من الناس عن دينهم، وغير قلوبهم، نسأل الله العافية.
فعليكم بالحذر من هذه الوسائل ومن أهلها، وما يبث فيها، وحافظوا أولادكم، أحفظوا أبناءكم وبناتكم وأزواجكم ونساءكم من هذه الفتن ما استطعتم، حذروهم منها، بينوا لهم ما فيها من الأضرار، حذروهم من التصديق بما ينشر فيها والاغترار بما يذاع فيها وينشر، فإنها سموم قاتله، نسأل الله العافية.
فعليكم بالحذر والتحذير فإن الصوارف والفتن كثيرة كما قال صلى الله عليه وسلم: إنها فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا ويُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ، إن الفتن شديدة يا عباد الله، أشد منذ الذي قبل، الآن الحذر يجب أن يكون أكثر منذ الذي قبل، فلا تغتروا بها وما ينشر فيها ولا تصغوا لكلام أعداءكم فيها فإنهم لا يريدون لكم إلا الشر، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة، نسأله أن ينصر دينه ويُعلي كلمته وأن يحفظ أولياءه، وأن يدمر أعداءه، إنه على كل شيء قدير.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد أمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولادة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أبعد عنهم دعاة السوء وضلال والمفسدين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أنصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللَّهُمَّ أنصر من نصر الدين وخذل من خذل الدين، وحفظ بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ومن كل شر وفتنة، ومن كل بلاء ومحنة يا حيٌّ يا قيوم يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين من كل سوء ومكروه، وحفظ سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، ودمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين وسائر الكفرة إنك على كل شيء قدير.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.