كلمات رمضانية 17-09-1434هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

غزوة بدر الكبرى سميت الكبرى لأن بعدها غزوه في بدر أصغر منها، وبدر اسم موضع بين مكة والمدينة فيهما يريده الناس ولا يزل يسمى بهذا الاسم إلى الآن وقد صار الآن مدينة صارت بدر الآن مدينة مسكونة.

وغزوة بدر المسلمون ما خرجوا غازين الله جل وعلا أخبرهم أنهم سيحصلون إما على غنيمة وإما على نصر وقتال، هم ما خرجوا يريدون القتال، خرجوا يريدون العير والأموال التي قدمت من الشام إلى قريش ليتعوضوا بها عما أخذه المشركون منهم في مكة لأن المشركين أخرجوا المسلمين من بيوتهم وأموالهم فخرجوا ليس معهم شيء، وقدموا على إخوانهم الأنصار ضيوفاً، فأوهم ونصروهم وأحسنوا إليهم رضي الله عنهم، فهم يردون أخذ الأموال ليتقووا بها وتكون قصاصاً من المشركين عما أخذ المشركون منه: (وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) فهم يردون الغنيمة ولا يردون القتال، الشوكة يعني: القتال، (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) فالله له إرادة والصحابة لهم إرادة، الصحابة يريدون المال ليتقووا به بدل ما أخذ منهم، والله يريد القتال لينتصر الإسلام على الشرك، وهذا لا شك أن فيه مشقه ولكن عاقبته حميدة (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)، فغلبة إرادة الله سبحانه وتعالى على إرادة الصحابة، الله أرد القتال وهم يردون الغنيمة غلبة إرادة الله سبحانه وتعالى لحكمة أعظم ومصلحة أعظم من مصلحة المال فما شعروا إلا وهم يلتقون بالجيش وجها لوجه، والأموال فقد ذهبت عن طريق آخر عن طريق الساحل لأن قائدها أبا سفيان لما علم بخروج المسلمين عدل عن الطريق وذهب مع طريق الساحل فنجا من المسلمين (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى) يعني: من بدر (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) يعني: عند البحر بعيدا عنهم فلما ألتقى المسلمون والمشركون وجها لوجه صار لابد من القتال حينئذ، المشركون ما جاءوا يريدون القتال جاءوا يريدون أن ينزلوا على بدر وأن ينحروا الإبل، وأن يجعلوها عيداً وأن يتسامع العرب بخروجهم ما أردوا قتالاً والصحابة ما أردوا قتالاً؛ ولكن الله هو الذي أراد ذلك.

استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هل يقاتلهم أو لا؟

فأشاروا عليه بالقتال ووعده بالنصرة، وعدوا رسول الله بالنصرة والعزيمة، وصمموا على القتال عند ذلك صار النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه يتوجه إلى ربه بالدعاء أن ينصر الله المسلمين وبات ليلة بدر يدعو الله والصحابة نائمون وهو لم ينم عليه الصلاة والسلام قائما يرفع يديه إلى الله أن ينصر المسلمين في هذه الوقعة، فلما أصبحوا صف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وصف المشركون قومهم وألتحم القتال نزلت الملائكة تؤيد المسلمين وتثبتهم، نزلت الملائكة تؤيد المسلمين وتثبتهم، وجاء الشيطان إلى المشركين يشجعهم ويعدهم بالنصرة وأنه معهم ولا يبين لهم أنه هو الشيطان إنما جاءهم بصفة زعيم من زعماء العرب سراقة بن مالك رضي الله الذي أسلم بعد ذلك يعدهم بالنصرة، ففرق بين من معه الملائكة ومن معه الشيطان، الشيطان لما ألتقي الجمعان وراء الملائكة هرب لأنه ما يواجه الملائكة (إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ) يعني: يرى الملائكة وهو لا يواجههم يحترق، ثم يقول: (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) الكذاب (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وهو كذاب، فعند ذلك دارة المعركة ونصر الله المسلمين وقتل في هذه المعركة أكابر المشركين الذين أذوا المسلمين في مكة مقدمتهم أبو جهل فرعون هذه الأمة قتل معه أكابر أهل مكة الذين أذوا المسلمين وعذبوهم، ونصر الله المسلمين وأخذوا ما مع الكفار من السلاح ومن الأموال غنموها فعادوا بالنصر وعادوا بالغنيمة وأسروا من المشركين سبعين وقتلوا منهم سبعين فكان نصراً مؤزراً.

لما سمعت العرب بوقعة بدر تغير رأيهم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قالوا: ما انتصروا إلا وعندهم قوة، فأذل الله قريشاً وأعز الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذه الوقعة العظيمة، قد سجلها الله جل وعلا في سورة الأنفال بكاملها، وفي آيتين في سورة آل عمران: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) في آيتين في سورة آل عمران وفي سورة الأنفال بكاملها.

فهذه وقعة بدر نصر الله فيها الإسلام والمسلمين ولم تقم للمشركين بعدها قائمة؛ بل كانوا بعدها في ذل وهوان، والعرب تراجعت عن قريش وعن أهل مكة بعد هذه الوقعة، فجعلها الله يوم الفرقان سماها الله يوم الفرقان لأن الله فرق فيها بين الحق والباطل.

وهي في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان كما ذكر المؤرخون والله وأعلم.

ليس لنا مصلحة في معرفة الليلة التي وقعة فيها في صبيحتها وقعة بدر ليس لنا مصلحة في ذلك هي وقعة وحصل النصر والحمد لله في أي يوم، نحن نكتسب منها العبر والعظة، وأن المسلمين إذا صدقوا مع الله صدقهم الله وعده،  وأن الكفار ولو بلغوا من القوة ما بلغوا فإنهم مهزومون أمام المسلمين إذا صدق المسلمون، إذا تقابل الحق والباطل فإن الحق سينتصر إلا إذا كان في أهله خلل، إذا كان في أهل الحق خلل فإنه لا ينتصر، أما إذا كان أهل الحق صامدين وعازمين على نصرة الإسلام والمسلمين، ولم يدخلهم طمع ولم يدخلهم مقاصد أخرى فإن الله سينصرهم.

من خذل المسلمون في مواجهة الكفار إلا لما حصل الخلل بالمسلمين كما حصل في وقعة أحد، لما حصل في المسلمين الخلل حصلت عليهم الهزيمة والنكبة التي وقعة بالمسلمين بسبب الخلل (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) يعني: في بدر (قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا) ما هو السبب؟ (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)، فما تقابل المسلمون والكفار وصدق المسلمون إلا ينصر الله المسلمين، فإن نصر الله الكفار فهو لخلل في المسلمين.

فعليهم أن يفكروا في أنفسهم، وأن يستعيدوا نشاطهم ويصلحوا فسادهم عند ذلك ينتصر الحق، الآن يقولون لماذا الكفار عندهم هالقوة وعندهم الاستعداد والمسلمين ما عندهم شيء؟ 

نقول المسلمين هم الذين انهزموا، وهم الذين انخذلوا، وهم الذين ضعفوا، وهم الذين خالفوا أمر الله في كثير من الأمور، فلذلك حصل ما عليهم ما حصل، الإسلام لا ينتصر بنفسه، إنما ينتصر بأهله إذا صدقوا، أما إذا لم يصدقوا فالإسلام لا ينتصر بنفسه والحق لا ينتصر بنفسه، إنما ينتصر بأهله الصادقين المؤمنين، وفق الله المسلمين لما يحبه ويرضاه.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد على آله وأصحابه أجمعين.

***