كلمات رمضانية 10-09-1434هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ* إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ* عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ): هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده أن يتقوه، وذلك بفعل أوامره وترك نواهيه رغبة في ثوابه وخوفاً في عقابه، هذه هي التقوى سميت: تقوى لأنها تقي من عذاب الله وتقي من المكارة والمحاذير.

ثم قال: (مَا اسْتَطَعْتُمْ) تقوى الله لاشك أنها عظيمة، وأن أوامره كثيرة، وأن حقه عظيم على عباده فلا أحد يستطيع أن يوفي حق الله عليه؛ بل لابد من التقصير والنقص بسبب ضعف الإنسان وما يعرض له من العوارض فمنَّ الله عليه بأن أمره بأن يتقيه حسب استطاعته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) فهذا من فضله وإحسانه.

فالإنسان يأتي ما يستطيع هذا في الأوامر، وأما في النواهي فإنه يتجنبها لأن الترك أسهل من الفعل، النواهي يتجنبها ولا يشق ذلك عليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكم عنه فاجتنبوه ، فالاجتناب والترك أخف من الفعل، فالإنسان عليه أن يبدي ما يستطيع من التقوى ولا يكلفه الله أكثر ما يستطيع، وهذا من فضله وإحسانه على عباده.

ثم قال جل وعلا:(وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) أسمعوا ما يأمركم الله به وما يأمركم به رسوله، وأطيعوا أوامر الله وأوامر رسوله قول: سمعنا وأطعنا ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وعصينا من اليهود وغيرهم، فإذا سمعت أمر الله فعليك الامتثال وأن تقول: سمعنا وأطعنا لأن الله سبحانه وتعالى لعن اليهود وغضب عليهم لما قالوا: سمعنا وعصينا نسال الله العافية (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا).

ثم قال: (وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ) أنفقوا من أموالكم التي أعطاكم الله إياها لم يعطيكم إياها لتخزنوها وإنما أعطاكم إياها لتنفقوا منها في وجوه الخير وهذا عائد إليكم هذا الإنفاق نفعه عائد إليكم، وأما إذا خزنت المال فلن تنتفع به؛ بل أصبح مسئوليةً عليك أنت تحرسه وتحاسب عليه يوم القيامة، أما إذا أنفقته في وجوه الخير صار لك، فليس لك من هذا المال إلا ما أنفقت وما خزنته فهو لغيرك وتحرم منه، فأنفق في طاعة الله عز وجل، أنفق النفقة الواجبة من إخراج الزكاة والنفقة الواجبة على أولادك وأهل بيتك ومن تلزمك نفقتهم، وأنفق على المحتاجين والمعسرين من عباد لله عز وجل أنفق في المشاريع الخيرية في بناء المساجد، بناء المدارس في كل ما فيه نفع للمسلمين يبقى ويستمر نفعه ويستمر لك أجره، فيكون هذا المال نعمةً عليك، وأما إذا خزنته صار مسئوليته عليك ونفعه لغيرك ممن لا يحمدك؛ بل قد يذمونك ويدعون عليك، فهذا المال إنما هو عارية عندك منحك الله إياه من أجل أن تقدم منه لنفسك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)، فالله رزقك هذا المال من أجل أن تقدم لنفسك منه: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ) يعني: يوم القيامة، فإذا أنفقت من هذا المال في طاعة الله وطلب مرضاته قبل أن تموت، قدمت لنفسك الخير الكثير الذي تجده عند الله، تجده مدخراً عند الله سبحانه وتعالى، (وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ) أنظر (لأَنْفُسِكُمْ) فما تنفقه فهو لنفسك، فأنت الرابح وأنت الذي اغتنمت الفرصة وأنفقت من هذا المال في طاعة الله (وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ).

(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) هذه هي الآفة، الآفة الشح والبخل يمنعانك من الإنفاق ويكبلان يديك فتكون يدك مغلولة كاليهود غلت أيدهم، فلا ينفقون في سبيل الله؛ بل يخزنون المال وهذه ظاهرة في اليهود إلى يوم القيامة وهي ظاهرة الآن، فاليهود يأخذون ولا يعطون يمتصون أموال الناس ولا يعطونهم بما فيهم من الشح والبخل - والعياذ بالله - ،(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) النفس تشح تبخل فتغلب عليها لا تستولي عليك نفسك ويغلب عليك الشح والبخل فتحرم نفسك من هذا المال الذي أعطاك الله إياه.

(فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، (هُمْ): هذا حصر فلاح فيهم، فالذي وقاه الله شح نفسه هذا مفلح، والذي أطاع شح نفسه هذه خاسر، ولهذا كان عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه يطوف بالبيت ويدعو بهذه الدعوة ويكررها في طوافه: (اللهم قني شح نفسي) لا يزيد عليها لأن الله قال: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).

ثم قال جل وعلا: (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) عجيب هذا، الله يعطيك وأنت تقرضه، العادة أن القرض إنما يكون للمحتاجين من الناس، القرض الحسن الذي لا ترجو من وراءه ربح وإنما ترجو ثوابه للمحتاجين أنت تقرض الله، أنت إذا أقرضت المحتاجين فقد أقرضت الله سبحانه وتعالى، يمكن يسأل أحد يقول: كيف أنا أقرض الله؟ أقرض المحتاجين فإذا أقرضتهم فإنك أقرضت الله، لأن الله هو الذي سيوفيك أجرك على هذا القرض وهو الذي سيثيبك يوم القيامة فأنت تقرض الله، (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)، (وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) فهذا معنى الإقراض الله سبحانه وتعالى.

لما سمع اليهود - قبحهم الله - هذه الآية قالوا: هل الله فقير حتى أن نقرضه؟ هم يعلمون القصد يعلمون أن الله ليس فقيراً وليس محتاجاً؛ ولكن هذا من باب السخرية بهذا القرآن والسخرية بهذا الرسول ولهذا: (قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)، (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ) لما سمعوا قوله تعالى: (وَأَقْرَضُوا اللَّهَ) قالوا: الله فقير من باب السخرية والاستهزاء وإلا فهم فيعلمون المقصود (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا)، الله جل وعلا توعدهم على هذه المقالة.

فالمسلم عليه أن يبادر بما أعطاه الله، وأن ينفق في وجوه الخير ويحذر من الرياء وأن ينفق رياءً ويخفي صداقته مهما أمكن إخفاؤها حتى يسلم من الرياء إلا إذا كان في إظهارها تشجيعا للناس على الإنفاق في سبيل الله أو أنك تعطي محتاجا يتعفف فيرى الناس إعطاءك له فيعطونه تكون قدوة حسنة قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)  يعني: تظهروها لقصد أن يقتدي بكم الناس لا لقصد الرياء والسمعة، وإنما لقصد القدوة الحسنة:( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ).

 فالحاصل أن الإنفاق فيه خير كثير ولا تحقرن من الإنفاق ولو يسيراً قال صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ، فالنفقة ولو كانت يسيرة إذا كانت خالصة لوجه الله فإن فيها الخير الكثير، والله أعلم.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

***