بسمالله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من هذه الأمة، لأن الله افترض عليها الصيام كما افترضه على الأمم السابقة، ففريضة الصيام فريضة قديمة على الأمم، وذلك لفضل الصيام وحاجة المؤمنين إليه، وأخبر هذه الأمة أنه كتب الصيام على من قبلها من أجل أن يتسلوا بذلك، فإذا علموا أن الصيام مفروض على غيرهم ممن سبقهم أهان عليهم ذلك، فهذا من باب التسلية لهم، ثم بين الحكمة التي من أجلها شرع الله الصيام.
فليس المقصود من الصيام الحرمان من الأكل والشرب والشهوات المباحة، ليس هذا هو المقصود إنما المقصود آثار الصيام على العبد فلهذا قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالصيام يسبب تقوى الله سبحانه وتعالى، وهذه أعظم الفوائد في الصيام أنه يجلب التقوى، والتقوى هي أعلى مقامات العبادة، فهي كلمة جامعة، وذلك لأن الصيام يتقي المعاصي والسيئات يبتعد عنها ويتوب مما سبق لعلمه أن الصيام يتأثر بالمعاصي وقد لا يبقى له ثواب، فيكون تعباً بلا فائدة، فلذلك الصائم يبتعد عن المعاصي وهذا شيء محسوس، فالصائم يختلف عن المفطر يقتصر عن المعاصي في جميع حواسه، لأن الصيام قصره عن ذلك بخلاف المفطر فإن قوة بدنه وشهوته يحملانه على الثوب على اتباع الشهوات وإتباع الهوى خلاف الصائم، فالصيام يحجزه عن هذه المعاصي، ويكسبه تقوى الله سبحانه وتعالى، إذا الصيام الذي لا يؤثر على صاحبه ولا يظهر عليه أثره هذا ليس بصيام.
فعلى المسلم أن ينظر في نفسه إن كان الصيام يحجزه عن المعاصي ويرقق قلبه للطاعة، ويكره إليه المعاصي ويحب إليه الطاعات فإن صيامه صحيح ونافع، أما إن كان بعكس ذلك فإن صيامه غير مفيد، لهذا قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، الصيام الذي لا يجلب التقوى لا فائدة فيه فهذا من فضائل الصيام.
ومن فضائله العظيمة أن الله أختصه من بين سائر الأعمال لنفسه قال سبحانه: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، وذلك لأن الصيام نية بين العبد وبين ربه لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فأنت إذا رأيت الناس لا تفرق بين الصائم وغيره، ما تفرق بينهم، بخلاف غيرها من العبادات الصلاة تظهر، الصدقة تظهر، الجهاد يظهر، التسبيح والتهليل والتكبير يظهر ويراه الناس ويسمعونه خلاف الصيام فإنه سر، سر بين العبد وبين ربه، لأنه نوى بصيامه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا شيء لا يعلمه إلا الله، ولا يرى الصيام على بدنه ولا على ... هو كغيره من الناس، يمشي ويتحرك فلا يظهر عليه الصيام إنما الله يعلم أنه صائم، لكونه سر بين العبد وبين ربه اختصه الله لنفسه قال: الصَّوْمُ لِي ، ومعلوم أن كل العبادات لله عز وجل والذي ليس لله لا يستفيد منه صاحبه باطل؛ ولكن الصيام له خاصية أنه أعظم سرية من غيره من العبادات، ثم قال: وَأَنَا أَجْزِى بِهِ جزاء الصائم من عند الله عز وجل، لا يعلم ثوابه إلا الله عز وجل، أمَّا الأعمال الأخرى فإن أجرها مضاعف حسب نية صاحبها، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلا الصيام فإنه لا يتقدر جزاءه بعدد، لأن الصيام من الصبر، يصبر على ترك الطعام والشراب، والعطش والجوع والله جل وعلا قال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، أمَّا بقية الأعمال فإن جزاءها له حساب، قد يكثر وقد يقل، أمَّا الصيام فلا يعلم أجره إلا الله.
فهذا يدل على فضل الصيام أنه لا يعلم مقدار جزاءه إلا الله سبحانه وتعالى: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، وأيضا العبادات الأخرى يدخلها الشرك، فالدعاء يدخله الشرك فيدعو غير الله، الصدقة يدخلها الرياء، الصلاة يدخلها الرياء؛ لكن الصيام ما يدخله رياء لأنه سر بين العبد وبين ربه، ولا يظهر الصيام على صاحبه كما تظهر سائر الأعمال فيدخلها الرياء، الصيام إنما هو بين العبد وبين ربه فلا يدخله رياء، وأيضا المشركون يتقربون إلى الأصنام بالذبح والنذر والدعاء والاستغاثة فيشركون في سائر الأعمال، أمَّا الصيام فلا يدخله شرك ولهذا قال: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ لا يدخله شرك، هذا مما امتاز به الصيام، ما ذكر أن المشركين يصومون لأصنامهم، ولا عباد القبور يصومون للقبور يتقربون إليها بالصيام، بينما يتقربون إليها بالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك، فهذا مما يمتاز به الصيام على غيره من سائر الأعمال لهذا قال الله جل وعلا: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، ثم بين سبحانه لماذا؟ لأنه: ترك شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى ، من أجل الله سبحانه وتعالى، وهذه نية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
***