نعمة الأمن



الحمد لله حمدا كثير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأستغفره إنه كان حليما غفورا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قام على قدميه حتى تفطرتا من طول القيام وقال أفلا أكون عبدا شكورا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثير أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم عليكم من نعمه العظيمة قال صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم آمنا في سربه معافا في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ، وهذه الثلاث متوفرة عندنا ولله الحمد متوفرة عندنا فنحن ولله الحمد في هذه البلاد في أمان عام وصحة ورزق وخير كثير، نحن آمنون في بيوتنا آمنون في أسواقنا آمنون في أسفارنا ولله الحمد وكذلك نحن في صحة في أبداننا وعافية في أجسادنا وكذلك نحن في رزق من الله عز وجل توفرت لنا الأرزاق وهذه نعم عظيمة يجب علينا شكرها والقيام بحقها قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، إن هذه النعم بسطها الله على قريش لما كانوا في مكة وكانوا بجوار البيت العتيق وعلى بقية من دين أبيهم ابراهيم وقد وفر الله لهم النعم ببركة دعوات الخليل عليه الصلاة والسلام حينما قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ)، قال سبحانه: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، فلما كفروا نعمة الله وجلبوا الأصنام إلى مكة ونصبوها على الكعبة وعلى الصفا والمروة وغيروا دين إبراهيم غير الله عليهم، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً) – يعني مكة – (كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فهذه سنة الله جل وعلا أن من لم يشكر نعمه فإنه يسلبها منه ويبدله بها بأضدادها فلنتق الله ولنشكر هذه النعمة بتقييدها بطاعة الله عز وجل والاعتراف بها ظاهرا وباطنا وصرفها في طاعة الله عز وجل لأجل أن تدوم وإلا فإنها إذا لم تشكر فإن الله يسلبها ويبدلها بضدها.

ألم تنظروا إلى ما حولكم من البلاد القريبة منكم ما حل بها من الدمار بأيدي أهلها سلط الله بعضهم على بعض فأصبحت بلاد مدمرة وأهلها مشردون تحت وطأة الجوع والعري والغربة والبعد عن أوطانهم وبيوتهم أفلا تعتبرون أفلا تتذكرون، فاتقوا الله عباد الله.

إن من بيننا من يتنكر لهذه النعمة ويستوحي من الدول الكافرة ومن أعدائنا وحاسدينا يستوحي منهم الأفكار الهدامة والتنكر لهذه النعمة ومحاولة قلبها وتغييرها وهم سفهاؤنا ومن أبنائنا يتلقون من أعدائنا هذه الوساوس وهذه الأفكار المنحرفة فيدعون إلى تغيير هذه النعمة يدعون إلى قلب البلاد على أهلها حتى تصبح كغيرها مدمرة خاوية ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله جل وعلا: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)، يعني في المسلمين من يسمع لأقوال المنافقين وتروج عليه وهذا واقع الآن فمن بيننا من يروج لهذه الأفكار باسم الحرية باسم الديموقراطية باسم.. من الألقاب الجوفاء المقلوبة ويكفرون هذه النعمة التي نعيشها ولله الحمد فتنبهوا لهؤلاء وناصحوهم وخذوا على أيديهم تسلموا أنتم وإياهم وإلا فإن سنة الله جل وعلا في خلقه لا تتغير إذا لم تشكروا نعمته أبدلها عليكم وغيرها عليكم (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، فاتقوا الله عباد الله وخذوا على أيدي سفهائكم، وتنبهوا لأعدائكم،  لا تغفوا عما يفعل بكم ومن حولكم تنبهوا لذلك، وتداركوا أمركم وتحاموا فيما بينكم، وتعاونوا على البر والتقوى حتى تسلم لكم هذه النعم، نحن ولله الحمد في بلاد الحرمين الشريفين قبلة المسلمين نقوم على خدمة الحرمين الشريفين وعلى خدمة الحجاج والمعتمرين فهذه البلاد هي قلب العالم الإسلامي هي العين الباصرة للإسلام والمسلمين إذا دمرت ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنه ماذا يبقى للمسلمين في أقطار الأرض، ولكن الله جل وعلا ناصر دينه وحافظ بلاده، قال الله جل وعلا: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على هذه النعمة التي لا تعد ولا تحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)، هذه الثلاث من أصبح منكم آمن في سربه معافا في جسده عنده قوت يومه - يعني عنده غداءه وعشاءه – فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ، فهو يساوي من ملك الدنيا لأن من ملك الدنيا ليس له منها إلا هذه الثلاث فهو يساويه في ذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله:

إذا ما كنت ذا قلب قنوع           فأنت ومالك الدنيا سواء

فاتقوا الله عباد الله، واذكروا نعمته بشكرها (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولي جميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنهُ هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكرهُ على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ وسلم تسليماً كثيرا،  أما بعد:

أيُّها الناس، قال الله جل وعلا: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ)، فالله سبحانه وتعالى قادرا على أن يحل بالناس إذا لم يشكروه هذه النقمات أن يبعث عليهم عذاب من فوقهم من السماء بالصواعق وبغير ذلك من الآيات الكونية أو من تحت أرجلهم بالزلازل والخسوف أو حتى الآن بالقنابل المدمرة التي تكون تحت الأرض (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً)، وهذه أشد استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)، الآن تدمرت البلاد المجاورة بأيدي أهلها، بعضهم مع بعض بإيحاء من أعداءهم إنهم لم يأتوهم بجيوش وإنما أتوهم بهذه الاتصالات الدقيقة، الاتصالات التي تأتي خفية بالأنترنت تأتيهم بتويتر بأنواع من أنواع الإتصالات وتحرض بعضهم على بعض، وتلقنهم الأفكار الخبيثة وتحقن قلوبهم وتلقي غيض بعضهم على بعض حتى قاموا بعضهم على بعض وصاروا يتقاتلون ودمروا بلادهم بأيديهم وأيدي الكفار.

فاتقوا الله عباد الله تحاذروا هذه الفتنة العظيمة تحاذروها وأقبلوا على الله بالشكر والدعاء، أقبلوا على الله بالدعاء أن يقيكم شر هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن وخذوا على أيدي من ترون منهم انخداعا بهذه الأفكار وأبعدوا عما تقدرون عليه، أبعدوا عنه هذه الوسائل المدمرة الموصلة للشر، أخلوا منها بيوتكم، أخلوا بيوتكم من هذه الوسائل الخفية التي هي بأيدي أولادكم وبناتكم ومن في بيوتكم، طهروا بيوتكم منها لأنكم الآن في خطر محدق، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا للقائمين على حدود الله والواقعين فيها بقوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها يرجعون لمن في أعلاها من أهل الرأي وأهل العلم، كما أن أهل السفينة يصعدون إلى أخذ الماء من الطبقة العليا من عند العقلاء من عند العلماء يأخذون الماء من عندهم ثم إنهم جاءهم الشيطان وقال لهم لماذا تتعبون تصعدون وتأخذون الماء من فوق وترجعون إلى من فوقكم، اخرقوا في قسمكم خرقا وخذوا الماء من عندكم، فخرقوا السفينة ودخل الماء وغرق الجميع فلو أن من في الطبقة العليا أخذوا على من في الطبقة السفلى ومنعوهم من خرق السفينة لنجوا ونجوا جميعا ولكنهم لما تركوهم يعملون ما قال لهم أعداءهم خرقوها فغمر الماء وغرق الجميع، فكذلك هذا المجتمع إذا لم يأخذ عقلاءه على أيدي سفهائه إذا لم يأخذ علماءه على أيدي جهاله خرقوا المجتمع وجلبوا العدو فأهلكهم وأهلك بلادهم، فاتقوا الله عباد الله وتنبهوا واحذروا وحذروا بارك الله فيكم ووفق الجميع لما فيه النجاة والصلاح والفلاح.

واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ احم بلادنا من كل عدو وكافر وملحد وزنديق ومن كل منافق وشرير، اللهم احم هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كيد الكفار وشر الأشرار وعذاب النار يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا اللهم اجعلهم هداة مهتدين اللهم اصلح شأنهم اللهم اجمع كلمتهم على الحق وأيدهم بنصرك وتوفيقك وحمايتك يا رب العالمين، اللهم أعنهم على الحق، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم إنك على كل شيء قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغث بلادنا، اللهم أغث ديارنا، اللهم أغث مزارعنا وآبارنا وأشجارنا، اللهم اغثنا غيثا مغيثا، اللهم أحيي بلدك الميت، اللهم أحي بلدك الميت، اللهم أحي بلدك الميت بالغيث المبارك يا رب العالمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.