لقاء مفتوح 12-11-1433هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين،               أما بعد:

فنشكر الله سبحانه وتعالى أولاً وقبل كل شيء الذي يسر هذا اللقاء في بداية هذه الدورة المباركة، ثم نشكر من نظم ورتب على رأسهم مدير مكتب التعاوني للدعوة وهو ممثل، وهذا المكتب ممثل بوزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والدورات العلمية لها أكثر كبير ولله الحمد  في سائر مناطق المملكة لأنها يتولاها نخبةٌ من أهل العلم، يلقون فيها أنواعاً من العلوم الشرعية وهذا خير كثير لمن وفقهُ الله لحضوره واغتنامه والاستفادة منه.

فإن العلم هو الحياة الله جل وعلا خلق الإنسان لعبادته، وأمره بتوحيدهِ وطاعته، ولا يتحقق ذلك لا يتحقق العلم، لا يتحقق العمل الذي يرضى الله سبحانه وتعالى وينجي العبد في الدنيا والآخرة إلا بتعلم العلم النافع، لأن العمل بدون علم ضلال، ولهذا هلكت النصارى ومن شابههم ممن يعلمون بغير علم، سماهم بالضالين لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال، كالذي يسير في الطريق وهو لا يعرفه ولا يدري ما أمامه فإنه يهلك بلا شك، كذلك الذي يعمل ويعبد الله ويجتهد لكنه بغير العلم هذا يسير على غير طريق وعلى غير صراط لله سبحانه وتعالى، كما أن من أقتصر على العلم بدون عمل فإن الله جل وعلا يغضب عليه، لأنه قامت عليه الحاجة فلم يعمل بها كاليهود ومن سار على نهجهم من العلماء الضلال، وأما أهل النجاة فهم من أهل الصراط المستقيم، وأهلهم هم: (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً).

ولهذا فرض الله علينا أن نقرا سورة الفاتحة، فاتحة الكتاب في كل ركعة من صلواتنا فريضةً كانت أو نافلة، وفيها في آخرها (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) يعني: المعتدل (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وهم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح لم يأخذوا العلم ويتركوا العمل ولم يأخذوا العمل ويتركوا العلم؛ بل جمعوا بينهما، فصاروا يعبدون الله ويعملون على هدى وعلى صراط مستقيم طريق واضح يوصل إلى الله وإلى جنته، (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) أي: غير طريق المغضوب وصراط المغضوب عليهم وهم الذين أخذوا العلم وتركوا العمل كاليهود ومن شابههم من  العلماء الضلال (وَلا الضَّالِّينَ) أي: وغير صراط الضالين وهم الذين أخذوا العمل وتركوا العلم يزهدون في العلم الآن النصارى والصوفية وجاهلة العباد ينهون عن تعلم العلم ويؤمرون بالعلم والعبادة بدون علم، وهذا شي مشاهد من أحوالهم؛ بل إنهم يحرقون كتب العلم إذا تمكنوا منها، يحرقون كتب أهل السنة والجماعة ويقولون للناس اشتغلوا بالعمل وتركوا العلم هذا ضلال - والعياذ بالله - ، وهذا مصيرهُ إلى النار، فإذا الجنة لا تدخل إلا بعمل (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً* خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)، (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) استحقوا هذا بالعلم النافع بعد الإيمان بالله عز وجل.

فالعمل الذي يوصل إلى الجنة لابد أن يكون مؤسسا على علم شرعي من كتاب الله وسنة رسول لله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم بهذا العلم ويعلمهُ للناس إلا العلماء المستقيمون على طاعة لله، هم الذين يبينون للناس ويعلمونهم  أمور دينهم ودنياهم، فالعلم لا يؤخذ عن الكتب فقط والقراءة ولا يؤخذ عن الجهال المتعالمين، ولا يؤخذ عن علماء الضلال والبدعة، وإنما يؤخذ العلم عن العلماء الربانيين يقول الله جل وعلا (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) ربانيين لله عز وجل على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليس على قول فلان وعلان، واستحسان فلان وذوق فلان لا؛ بل على موجب الكتاب والسنة، وهذا لا يقوم به إلا الراسخون في العلم،الذين ورثوا العلم عن أهله، تعلموا أولاً ثم علموا ثانياً بعد ما تعلموا، فهم حملة العلم وهم المعلمون الصادقون الصالحون هؤلاء يأخذ عنهم العالم ثم يعملوا به والعلم لا يحصل بدون تعب وبدون طلب؛ بل لا بد من طلب العالم أينما وجد ولا بد من التعب في تحصيله، وهو في سبيل الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، فالعلم النافع هو طريق إلى الجنة الذي يوصل إلى الجنة هو سبيل الجنة، وهذا العلم النافع إنما هو في كتاب لله وفي سنة رسول لله صلى الله عليه وسلم، ولا يؤخذ العلم إلا عن أهله المعروفين به الذين تلقوه عمن قبلهم وألقاه على ما بعدهم وتورثه المسلمون كما قال صلى الله عليه وسلم: وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ، العلم لا يشبع منه ولهذا قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)، لم يأمره بالزيادة من شيء إلا من العلم (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)، وهو ميراث الأنبياء والمرسلين، وحملتهُ هم ورثة الأنبياء و المرسلين فيتلقى العلم منهم، ولذلك حرصت مكاتب الدعوة على إنشاء هذه الدورات العلمية وإن كانت مدتها قصيرة، لكنها تفتح الأبواب للمسلمين، وإذا وجد هنا دورة وجد هناك دورة وتكررت فإنه يحصل الخير الكثير لمن وفقهُ الله سبحانه وتعالى وحضر هذه الدورات واستفاد منها.

والعلم ليس له حد يُنتهى إليه، وإنما كل يأخذ منه على قدر ما وفقهُ الله وأراده الله له وإلا فالله جلَّ وعلا: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)، ولكن هذا القليل إذا كان علماً صحيحاً فهو مبارك ونافع، فليس العبرة بكثرة العلم؛ ولكن العبرة بنوعية العلم، والعبرة العمل بالعلم، ومن عمل بما علم أورثهُ الله علم ما لم ب يعلم كما في الأثر، والعلم ينمو مع العمل، ويرحل مع ترك العمل، العلم لا ينمو ولا يبقى ولا يستفيد منه صحابه إلا بالعمل الصالح، كل الناس بحاجة إلى العلم، كل المسلمين بحاجة إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى طعام والشراب والهواء، حاجتهم إلى العلم أكثر، لماذا؟ لأن العلم تحي بها القلوب وتستنير به البصائر ويدل على الله على جنته، فهو ألزم من الطعام والشرب والهواء لأن الطعام والشراب والهواء مغذية للأبدان، أما العلم فهو مغذي للقلب والبصيرة فهو إذا أحوج، الناس أحوج إليه من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الإنسان وإن أكل وشرب من أنواع الفواكه وأنواع الأطعمة والأشربه الطيبة ينمي جسمهُ فقط، وأما إذا تعلم العلم النافع وعمل به فإنما يغذي قلبه عبادة لله وحدهُ لا شريك له، فلا بد من تعلم العلم ما يعفى أحد من تعلم العلم على قدر ما يسر الله له لا يبقى الإنسان على جهله، ويقول أنا جاهل ومعذور بالجهل لا لست معذور بالجهل ما دام فيه مجال لتعلم العلم ولو قليلاً فإنك لست معذورا أمام الله سبحانهُ وتعالى.

فهذه الدورات في حقيقة إنها مشاريع عظيمه ومفيدة نوصي بحضورها أينما وجدت ومتابعتها مهما أمكن فإنها هي الحياة لمن وفقه الله سبحانُ وتعالى، والعلم على نوعيين: العلم أولاً يحتاجه المسلمون عموماً لعباداتهم ومعاملتهم وأقضيتهم ومشكلاتهم وخصوماتهم لابد من العلم الشرعي، لأن الله أنزل هذا العلم ليكون حكماً بين الناس فيما يختلفون فيه، الله أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه (اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، والرد إلى الله هو الرد إلى كتاب لله والرد إلى رسول هو الرد إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعلم الكتاب والسنة إلا العلماء هم الذين يعرفون الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله أخذ الميثاق على العلماء أن يبينوا للناس لا يكتمونه (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) هذا ميثاق أخذه الله على العلماء أن يبينوا للناس، كما أوجب على العوام والجهال أن يتعلموا ولا يبقوا في جهلهم.

والعلم على نوعين:  النوع الأول: عِلمٌ يحتاجه كل مسلم لا يستغني عنه مسلم، كل مسلم يحتاج إليه وهو تعلم أحكام عقيدته، وأحكام صلاته، وأحكام زكاته، وأحكام صيامه، وأحكام حجه وعمرته، أركان الإسلام الخمسة لابد للإنسان يتعلمها على كل مسلم هذا فرض على كل مسلم ومسلمه، أن يتعلم هذه الأركان الخمسة التي لا يستقيم دينه إلا بها، ولا يبقى في جهله، ويقول أنا ما تعلمت الله يسر لك العلم مثلاً هذه الدورات هذا مما يسر الله لعباده، مثلاً المدارس مفتوحة، المعاهد مفتوحة، كليات الشرعية مفتوحة، المساجد مفتوحة وفيها العلماء قل مسجد إلا وفيه من يبين للناس على قدر ما يسر الله؛ لكن الشأن الاهتمام وطلب العلم، الشأن أنك تهتم بدينك تطلب العلم على أهل العلم ولا تبقى في جهلك، تكون على طريق غير مستقيم طريق ضال، فالله لم يبقي لنا حجة؛ بل إنه سبحانه أقام الحاجة علينا، فالنوع الأول ما لا يستقيم دين المسلم إلا به كتعلم أركان الإسلام الخمسة كل مسلم يجب عليه أن يتعلم هذه الأركان الخمسة، وما تتطلبه من علم ليعمل على بصيرة، ويعمل على علم ولا يعمل على جهل وتقليد، هذا لا ينفعه عند الله عز وجل، هذا النوع الأول هذا يجب على كل مسلم ومسلمة، على كل حر وعبد، على كل كبير وصغير أن يتعلم هذا الحد من العلم.

أما أنوع الثاني: وهو ما يحتاجهُ الناس عموماً وقد لا يحتاجهُ كل أحد إنما يحتاجهُ عموم الناس مثل تعلم أحكام المعاملات، وأحكام  الأنكحة، وأحكام الأطعمة والأشرابة، وأحكام الأقضية والخصومات، وأحكام الآداب الشرعية العامة فهذه قد لا يتيسر لكثير من الناس أن يتعلموها؛ ولكن إذا تعلمها من المسلمين من يقوموا بحاجة الناس فإنهُ يكفي وهذا يسمى بفرض الكفاية، إذا قام به من يكفي من الناس فإنه يبقى في حق البقية سنة من أفضل السنن، والله جلَّ وعلا قال: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً) يعني: كلهم يرحون لطلب العلم، طلب العلم الذي هو النوع الثاني ما تيسر لكل الناس (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) يعني: كل قبيلة، كل بلد، كل اجتماع مسلم يذهب منه أفراد من شبابهم ومن أذكيائهم تلقون هذا العلم وهذا التفصيل لما يشكل على الناس في مواريثهم، في معاملتهم، في أنكحتهم وزوجاتهم، في خصوماتهم إلى أخرهِ، إذا تيسر هو لابد أن يوجد في الأمة لا ما يجوز للأمة تتركه، ويجب على ولاة الأمور أن يفتح له المؤسسات العلمية ويعين لهم المدرسين يجب عليهم ذلك، ثم من كان عندهُ استعداد يلتحق لطلب هذا العلم (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، كانت القبائل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون، تسلمُ القبائل ثم يذهب منهم من شبابهم وأفرادهم يذهب منهم إلى المدينة عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصلوا معهُ ويتعلموا منهُ الصلاة ويسمعون إلى دروسه وموعظة وتعليمه، ثم إذا لبثوا مدةً كافية رجعوا إلى قومه بما حصلوا من العلم فنشروهُ في قومهم فهذا هو سبيل المسلمين من عهد الرسول صلى الله وسلم، ولابد العلم بنوعيه فرض العين  وفرض الكفاية لابد منه فإذا تركته الأمة هلكت وضاعت، ولكن والحمد لله لا يزال هذا الخير موجوداً، ولما ضعفت العناية بدروس العلم في المساجد والحلقات التي كانت متوفرة فيما سبق، يسر الله هذه المدارس الإسلامية والمعاهد العلمية وكليات الشريعة، يسر الله وجودها للمسلمين، فكان شباب المسلمين يلتحقون بها فيسدون حاجة المسلمين، ثم ما يحصل من هذه الدورات والحلقات العلمية هذا فيه خير كثير ولله الحمد والمنة، وهذا في إقامة حجة على العباد، وهذا من المعجزات هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه الله بعثه للناس كافة للعرب والعجم والجن والإنس، بعثه للناس بشيرا ونذيرا، بلغ الرسالة وأداء الأمانة ونصح الأمة وجهاد في لله حق جهاده (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ)، ثم توفاه الله عز وجل، وخلفه من بعدهِ صحابته الكرام الذين قاموا بهذا العلم وهذا الجهاد في سبيل لله حتى نشروا العلم ونشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ثم جاء جيل التابعين من بعد الصحابة، ثم جاء جيل اتباع التابعين والقرون المفضلة، ثم تولى الخير في الأمة - ولله الحمد -.

ولما كثر الشر والفتن، فإن الله سبحانه وتعالى تكفل في أن يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها، فبعث الله المجديين من الأئمة والدعاة إلى الله، فقاموا بالدعوة إلى الله والتعليم فنفع الله بهم، خذ على سبيل المثال هذه البلاد كانت في الأول مثل البلاد التي غيرها فيها مسلمون ولكن في جهل، فيها عقائد فاسدة فيها شركيات فيها بدع، فيسر الله أن بعثها لها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فهو من المجددين الذين وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يبعثهم الله على رأسهم كل مائة سنة فهو من المجددين في هذا البلاد وفي غيرها، فقام بنشر التوحيد والعقيدة، تعليم الناس العلم النافع مأخوذ من الكتاب والسنة لا من التقليد واتباع من كان قبلهم بدون بصيرة؛ بل بموجب الكتاب والسنة، فعاده من عاده وضايقه من ضايقه، ولكنه صبر واستمر على دعوته،  ويسر الله له من ولاة الأمور من آل سعود من ساعده وحماه من أعدائه وجاهد معه حتى حصل هذه النعمة في هذه البلاد، ولا تزال - ولله الحمد -، ونسأل الله أن تستمر في هذه البلاد بلاد الحرمين مهبط الوحي، مبعث الرسالة، قبلة المسلمين يفيد إليها المسلمون في الحج والعمرة من أقطار الأرض، فالله جلَّ وعلا اختار لها في الأزمنة المتأخرة هذه الدعوة المباركة فأثمرت وأنتجت - ولله الحمد -، وصار المسلمون يأتون إليها ويستفيدون ويذهبون إلى بلادهم بالعلم والعقيدة الصحية، والعمل الصالح ويعلمون من خلفهم، فانتشر الدين وانتشر هذا الخير، وهذه الدورات العلمية هي من آثار دعوة الشيخ رحمه الله لأنها تسير على منهجه وعلى طريقه، فهي وارثة، وارثة لهذه الدعوة المباركة وهذا من تيسير لله عز وجل ومن إقامة الحجة على العباد، ومما خص الله به هذه البلاد-  ولله الحمد - والبلاد الأخر من بلاد المسلمين فهي فيها الخير أيضا، ولكن هذه البلاد الذات لأنها قلب العالم الإسلامي، لها مزيد اهتمام، مزيد عناية لأن الخير يصدر منها، والمسلمون يرجعون إليها - فالحمد لله – أن يسر لهذه البلاد هذا الخير العظيم المتوارث  والمتواصل، فنسأل الله أن يستمر، ولكنه لا يستمر إلا بالجهود المباركة والتعاون على البر والتقوى فيجب نشجع هذه الدورات، ويجب أن نحضرها، يجب أن نتناقل ما يلقى فيها من الخير - والحمد لله - من تيسر لله أنه أوجد هذه الوسائل التي تحفظ ما يلقى في هذه الدورات بواسطة التسجيل والأشرطة والمواقع الدعوية المباركة، فالخير ينتشر أن تتكلم الآن في هذا المسجد وأمثله ويسمعك من في المشرق والمغرب بواسطة وسائل التقنية الحديثة وهذا من تيسير لله عز وجل ومن آياته سبحانه لئلا يأتي يوم القيامة من يقول أنا ما درية، أنا ما دريت أن في إسلام وما درية أن في رسول ولا، ولا، ولا سمعت القرآن الله جل وعلا أقام الحجة على العباد، فصارت الكلمة الطيبة تبلغ المشارق والمغارب في لحظة واحده، وتنتشر هذه المسجلات وهذه المطبوعات في كل البلاد ينتفع بها من شاء الله أن ينتفع وتقوم الحجة على من لا ينتفع ورفضها تقوم عليه حجة الله سبحانه وتعالى (أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فبلغت هذه الحجة للعالم الآن القرآن يتلى في الإذاعات بأرفع صوت وينتشر ويسمعه القاصي والداني، الأحاديث النبوية تقرأ تبلغ للناس علانية، يسمعها من قرب ومن بعد، وقد يسمعه البعيد أكثر من القريب (لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، فبلغ هذا الدين مبلغ الليل والنهار (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) فظهر دين الله على الدين كله على سائر الأديان، وبلغ المشارق والمغارب ولا يزال - ولله الحمد - ، وهذه الدورات المباركة هي من هذا المشروع العظيم الذي هو مشروع تبليغ الدعوة إلى الناس ونشر العلم للناس، الحاضر يبلغ الغائب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغ الشاهد الغائب فرب  مبلغٍ أوعى من سامع ، فنحمد الله عز وجل أن أبقى هذه الحجة، وهذا العلم ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينه، فالحمد لله رب العالمين.

ونسأل الله أن يوفق القائمين على هذه الدورات المباركة أن يوفقهم لمواصلتها وتكررها ونقلها من مكان إلى مكان محتاج إليها، لينتفع بها العباد وينتشر الخير، فمثلاً هذه المحافظة تقام هذه الدورة في  هذه المسجد هذه المرة، المرة الثانية تقام في بلد أخر من بلاد هذه المحافظة وهكذا حتى ينتشر الخير في المحافظة كلها، فتكون هذه الدورات هي من العلم النافع الذي هو ميراث الأنبياء، والعلم مع العمل يتبارك، العلم القليل مع العمل الصالح يجعل الله فيه البركة والنور ليس العبرة بكثرة العلم، ولكن العبرة بالعمل الصالح المبني على علم صحيح، وهذا يحصل منه الخير الكثير للمسلمين.

فنقول بارك الله فيه هذه الدورات وكتب الأجر لمن قاموا عليها وملوها وتعاهدوها، ونسأل الله لهم المزيد من نشر العلم ونشر هذه الدورات في أرجاء البلاد لينتفع بها كل من حضرها وكل من سمع بها، وكل من بلغته ينتفع بها ويكون الأجر لمن قاموا عليها وأوجدوها أكثر من أجل غيرهم، وهذا من تبليغ العلم للناس وإقامة الحجة للناس، فالحمد لله رب العالمين، ونسأله سبحانه أن يعين الذين ينشرون العلم بأي وسيلة، العلم النافع ينشرونه  بأي وسيلة من الوسائل، العلم يسر لمن وفقهُ الله وتلقاه وقبله، العلم يسر (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) العلم ميسر - ولله الحمد- ، وكل وقت يسر الله له من الوسائل ما ينشره مثل ما ذكرنا أنه في هذا الزمان أوجد الله وسائل تنشر العلم في أسرع لحظة على الناس، فالشأن في أننا نهتم بالقيام بنشر هذا العلم وإلا فالوسائل ممكنه وميسره - ولله الحمد-.

والشأن أيضاً ليس في أننا نعلم الشيء، ولكن الشأن في العمل، فإذا علمت شيئاً فعمل به وإلا فإنه يكون حجةً عليك إن بقي وإلا فهو على سبيل الزوال، ولهذا يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: أعلم أن الله أوجب علينا تعلم أربع مسائل والعمل بهن ما هي؟ في سورة العصر المسائل هذه في سورة العصر التي يحفظها كل واحد منكم، يحفظها الكبير والصغير البدوي والحضري يحفظون صلاة العصر في أربع هذه المسائل  التي إذا تحققت، تحققت السعادة وإذا فقدت أو فقد شيء منها ضاعت السعادة وخسر الإنسان، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) الإنسان كل الإنسان من الملوك والتجار والعلماء والذكور والإناث والأحرار والعبيد كل الإنسان فهو خاسر إلا من أتصف بأربع مسائل تنبه لها (إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) هذه المسائلة الأولى: الإيمان، والإيمان لا يتحقق إلا بالعلم وبتعلم العلم (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) هذه واحده، المسائلة الثانية: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ما يكفي العلم لابد من العمل (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ما قل عملوا فقط نقول الصالحات لابد أن يكون العمل صالحاً لأن أكثر الأعمال فاسدة إذا لم تكون على كتاب لله وعلى سنة رسوله فهي فاسدة تعب بلا فائدة (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ما يكفي أنهم  آمنوا وعملوا صالحات؛ بل لابد أن يتواصوا بالحق، لابد أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لابد أن يعلموا الناس العلم النافع هذا من التواصي بالحق، ما يكفي أنك تصلح في نفسك وتترك الناس بدون أن تعلمهم وأن تبلغهم وأن تنذرهم، لابد أن تصلح في نفسك ثم تسعى في إصلاح غيرك: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)، المسائلة الرابعة: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) لأن هذه المسائل: الإيمان، والعمل، والتواصي بالحق لابد فيه من المشقة، ولابد أن ينالك من الناس ما ينالك من الأذى، فعليك بالصبر، عليك بالصبر، والصبر يعني: حبس النفس عن الجزع، وحبس النفس عن الكسل، لأن بعض الناس مثلاً ينشط في تعليم العلم والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إذا تعرض لأي مشقه أو لأي اعتراض أو لأي مجادل للباطل، لا والله ليس ملزوم وأنا ما علي إلا نفسي وترك،لازم من الصبر تصبر على (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) لابد من الصبر على التعب على لوم الناس على العراقيل على ملل النفس، لابد من الصبر والتحمل.

يقول علي بن طالب رضي الله عنه: الصبر من  الدين بمنزلة الرأس من الجسد، شوفوا منزلة الرأس من الجسد، الجسد لهُ متعافي له إمتكال بالضخامة، إذا أزيل رأسه هل يبقى حياة في هذا البدن لا، يفنى، كذلك الدين الذي ليس معه صبر لا يثبت يزول ويذهب، وجدنا أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، ألا فلا دين لمن لا صبر له، لا بد من الصبر (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، والحياة الدنيا قليلة (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ)، الدنيا متاع قليل تصبر قليلاً ثم تفوز فوزاً دائماً وأبدا، وإذا لم تصبر خسرت الدنيا  والآخرة (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

أسال الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والإخلاص لوجه سبحانه وتعالى، والثبات على السنة وترك البدع والمحدثات.

فإن العمل لا يكون صالحاً إلا إذا توفر فيها شرطان:

الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل.

والشرط الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)، (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) هذا الشرط الأول هو الإخلاص، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي متبع للرسول صلى الله عليه وسلم، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) يعني: بإتقان ليس دعوة فقط أنا سلفي أنا على مذهب السلف، وإذا سألته عن مذهب السلف ما هو؟ والله ما أدري، لكن أنا سلفي يعني نقول أنت ليس سلفي ما تعرف مذهب السلف ليس أنت سلفي، كيف تكون مع السلف وأنت ما تعرف مذهبهم (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، فإذا كنت تريد أن تكون على مذهب السلف تعلم مذهب السلف، وما هم عليه حتى تتمسك به وتيسير عليه.

وفقه الله الجميع لما يحبه ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.