نعم من لا يحسن الشيء لا يدخل فيه

نعم من لا يُحسن الشيء لا يدخل فيه

كتب الدكتور: محمد بن ناهض القويز في جريدة الرياض في يوم الاثنين 1432/7/11هـ مقالاً عن الاختلاط الذي أصبح هو شغل كثير من الكتاب الذين يريدون أن يُقحموا المجتمع فيه لأن منْعه يصون المجتمع المسلم مما وقعت فيه المجتمعات الأخرى من ورطة الفتنة التي يجر إليها الاختلاط، وقد اعترف الدكتور محمد في آخر مقاله حينما قال: هل يحق لغير المهندس أن يجتهد في الهندسة ويُؤخذ برأيه، الجواب:  لا لأنه ليس مهندساً ولا علم لديه. هل لغير الطبيب أن يمارس الطب، الجواب: لا لأنه ليس طبيباً ويجهل في علوم الطب، هل للمسلم أياً كان تخصصه أن يُبدي رأيه في الشئون الإسلامية، الجواب: هو مسلم وبهذا تحقق الشرط الأول وهو الممارسة، فإن ملك الشرط الثاني وهو المعرفة جاز له ذلك.

القاعدة في الإسلام أن السؤال هو الاستثناء، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء:7]، وأقول: ليت الدكتور التزم بهذه القاعدة وهي أنه لا يجوز لغير المختص أن يدخل في غير تخصصه، لأن الدكتور لمّا دخل في غير تخصصه واستدل بالآيات وهو لا يحسن الاستدلال وقع في الخطأ، ومن القواعد المقررة في التفسير أن كل من استدل بآية على باطل كان في الآية التي استدل بها ما يرد عليه.

وهذا ما وقع فيه دكتورنا هدانا الله وإياه إلى الصواب فيما نقول ونفعل حيث قال: لندع الاستدلالات التي توضع في غير محلها، ثم لنتفكر في القرآن الكريم كما أمرنا الله سبحانه بقوله: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]، لنتفحص سير الأنبياء والمرسلين كما أوردها القرآن الكريم.

أقول: ليته ذكر هذه الاستدلالات التي زعم أنها في غير محلها لنوافقه في ذلك أو نخالفه، أما المصادرة لها هكذا فهذه ليست طريقة الحوار التي يدّعونها ويدعون إليها.

ثم قوله لندع الاستدلالات التي توضع في غير محلها بزعمه ثم لنتفكر في القرآن الكريم، هل معنى هذا أننا ندع الاستدلال بالسنة ونقتصر على الاستدلال بالقرآن كما هي طريقة أهل الضلال أم ماذا؟ ودعونا نستعرض استدلالاته بالقرآن كما زعم، فقد انطبق عليها قوله أنها استدلالات في غير محلها وذلك فيما يلي :

أولاً: قوله: لنبدأ بأم عيسى مريم ابنة عمران عليها السلام التي امتدحها الله بما لم تمتدح به أنثى أخرى قضت حياتها كلها في اختلاط فقد كفلها زكريا عليه السلام وما كان محرماً لها.

نقول: كفالة زكريا عليه السلام لمريم رضي الله عنها وصلت إليه بالقرعة التي حصلت بين الأحبار: (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [آل عمران:44]، لأنها ابنة شيخهم وإمامهم عمران، والله هو الذي خص بها زكريا: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) [آل عمران:37]، لأن خالتها عنده وهي أم يحيى عليه السلام وليس في هذا اختلاط لأنها طفلة صغيرة ولمّا كبرت اتخذت من دونهم حجاباً (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً) [مريم:17]، لتعتزل وتنفرد بعبادة ربها ولتستر عنهم، ودخول زكريا عليها في مكانها لأجل إتيانه لها بطعامها وشرابها لأنه كافلها وليس في ذلك اختلاط أيضاً لأنه مجيء عارض لحاجة لا للجلوس والخلوة بها.

ثانياً: وأما استدلال الدكتور بقصة بلقيس مع سليمان فهو استدلال في غير محله لأن المقام مقام دعوة إلى الله وهي وافدة مع قومها للالتقاء بسليمان لقاء انتهى بإعلان إسلامها، وقصة دخولها الصرح وهو المجلس المرتفع وكشفها عن ساقيها فلأنها لما رأته (حَسِبَتْهُ لُجَّةً) [النمل:44]، أي ماء لصفائه لأنه من قوارير شفافة وهي فعلت ذلك خوفاً على نفسها من خوضه وهذا دليل على أنها لم يكن من عادتها كشف ساقيها لأن هذا ينافي الحشمة وليس في هذه القصة بطولها دليل على الاختلاط كما زعم الدكتور.

ثالثاً: وأما استدلال الدكتور بقصة المرأتين وسقي موسى عليه السلام لمواشيهما على جواز الاختلاط فليس فيها دليل على ذلك بل على عكسه لأنهما تجنبتا مخالطة الرجال ومزاحمتهم على الماء وانتظرتا (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) [القصص:23]، وفي هذا دليل على تجنب المرأة للاختلاط بالرجال عكس رأي الدكتور، وكذلك مجيء إحدى البنتين لدعوة موسى للحضور عند أبيها ليس في ذلك دليل على الاختلاط كما زعم لأنها جاءت (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) [القصص:25]، من موسى وفي ضمن ذلك التحفظ من الاقتراب منه فضلاً عن الاختلاط به، وكون الدكتور جزم بأن المرأتين ابنتا شعيب جزم لا محل له لأنه ليس في الآية أنهما ابنتا شعيب عليه السلام فمن أين له ذلك ؟.

رابعاً: قول الدكتور: أن السيرة النبوية تمتلئ بالشواهد التي تدل على أن المسلمات كن يخرجن للسوق لحاجتهن اليومية أو لزيارة بعضهن أو للمسجد من دون أن يعترض الرسول –صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة على ذلك ولم يُبتدع مصطلح الاختلاط مع العلم أن مجتمع المدينة آنذاك كان فيه من يتعرض للنساء بالكلام واللمس، واستدل على ذلك بنزول الآية التي تفرض الحجاب على المسلمات للسلامة من أذى هؤلاء، نقول الحمد لله أن الدكتور اعترف بأن الحجاب فُرِض للسلامة من أذى الفسَّاق، إذاً مثله الاختلاط فإنه حُرّم من أجل سلامة المسلمات من أذى الفسَّاق وهذا أحد الأدلة على تحريم الاختلاط منعاً للأذى وليس لنا اعتراض على خروج النساء لحوائجهن من غير اختلاط.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

كتبه :

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء

1432-07-13هـ

صورة للمقال