حُسن التصرف في نعمة المال


الخطبة الأولى

الحمد لله على فضله وإحسانه، أغنانا بحلاله عن حرامه، وكفانا بفضله عمن سواه، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيرا،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، قال الله سبحانه وتعالى:(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، فتقوا الله ما استطعتم، إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا المال لأجل مصالح العباد قال تعالى:(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)قياماً لمصالحكم، والإنسان مجبوبٌ على حب المال قال تعالى:(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً)، (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ* وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) والخير هو المال، فلا يحملنكم حب هذا المال على المغامرة في تحصيله، فإنه مسؤولية، مسؤولية في اكتسابه وتحصيله، ومسؤولية في إنفاقه قال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع وذكر منها عن ماله من أين اكتسابه؟ وفيما أنفقه؟ فيسأل عنه دخولا وخروجا، فهذا يحتاج منا إلى تأمل، وإلى عمل به حينما نكتسب هذه الأموال، فنجمل في طلبها ونقتصر على ما أحل الله، ولا نتعدى حدود الله، وأعظم ما ابتلي به الإنسان في هذا المال خصلتان البخل والشح، أما البخل فهو أن يبخل بما أتاه الله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وأما الشح فهو أن يبخل بما عنده ويتطلع على ما في أيدي الآخرين، لا يكفيه ما عنده بل يود أن يأخذ أموال الآخرين بأي وسيلة، بالظلم بالغصب بالاحتيال بالكذب بالخديعة إلى غير ذلك، هذا هو الشح وقد قال صلى الله عليه وسلم: واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، وكان عبدالرحمن بن عوف الصحابي الجليل رضي الله عنه يطوف بالبيت ولا يزيد على قوله: اللهم قني شح نفسي.

اتقوا الله، عباد الله، الإنسان بحاجة إلى المال، ولكن عليه أن يحسن اكتساب هذا المال من الطرق الشرعية ويقنع بها ففيها الخير والبركة، ولا يتطلع إلى اكتساب المال بالطرق المحرمة، فإن كثير من الناس اليوم يغامرون في طلب الأموال من أي وجه كان، وقد جاء في الحديث أنه يأتي على الناس زمان لا يدري الإنسان من أين أخذ المال ولا فيمن أنفقه أنها مسؤولية عظيمة يا عباد الله، اتقوا الله، وأغلب وجوه الكسب هو الاتجار بالبيع والشراء وغير ذلك فيجب أن يكون البيع والشراء على الصدق والأمانة قال صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ، وقال عليه الصلاة والسلام: التجار هم الفجار يوم القيامة إلا من اتقى الله وبر وصدق .

فتقوا الله، عباد الله، اطلبوا الرزق من الوجوه المباحة، وإن من الابتلاء في هذا المال أن يتضخم بيد الإنسان فيخرج عن سيطرته فيوليه من الشركات والمؤسسات ما لا يخاف الله عز وجل، فيكتسب المال من أي وجه من القمار من الربا من اليسر من أي وجه يحتال على أخذه، وما أمر المساهمات بخاف عليكم وما حصل فيها من النكبات والمصائب بسبب أنها تجمع المال من غير وجوهه المباحة والله جل وعلا:(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).

يا عباد الله، وأهم شيء على الإنسان ما يأكله في بطنه، فإن أكل من حلال صار هذا بركةً عليه وعوناً له على طاعة الله، وإن أكله من حرام صار سحتاً ينبت عليه لحمه وجسمه ويكون مآله إلى النار، جاء غلام لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بطعام فأكله رضي الله عنه فقال له: أتدري ما هذا الطعام، قال: لا، قال: هذا أخذته من أناس تكهنت لهم في الجاهلية ولم أكن أحسن الكهانة، فأدخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه يده في حلقه وستفرغ حتى لم يبقى في بطنه منه شيء ثم قال رضي الله عنه:والله لو خرجت روحي معه لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل لحم نبتا من السحت فالنار أولى به ، كل لحم نبتا من سحت فالله أولى به ، وأكل الحرام يمنع قبول الدعاء ويحول بين المرء وبين ربه كما في الحديث الصحيح: في الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمة حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ فلا يستجيب دعاء أكل الحرام والمتغذي بالحرام، ولستم غنى عن الله وعن دعاءه، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم ادعوا الله أن يجعلني مستجاب الدعوة قال: يا سعد أطب مطعمك تكون مستجاب الدعوة .

فتقوا الله، عباد الله، ولا يغرنكم حب المال على المغامرة في كسبه أو عدم المبالاة في تحصيله فإنه مسؤولية عظيمة أمام الله سبحانه وتعالى تسألون عنه يوم القيامة من أين اكتسبتموه؟ وفيما أنفقتموه؟ فتقوا الله، أنتم بحاجة إلى طلب المال ولا أحد يستغني عن المال، ولكن الله جعل للاكتساب طرق صحيحة كما أن له طرق محرمة، فقنعوا بالطرق المباحة واتركوا الطرق المحرمة فإنها شر ووبال وعاقبة وخيمة سيندم الإنسان عمَّا قريب حينما يرحل إلى الدار الآخرة وليس معه من هذا المال الذي أتعب نفسه في تحصيله إلا الكفن إلا خرقة يلف بها، دخل إلى الدنيا وهو عريان ليس معه شيء، وخرج منها وهو عريان ليس معه إلا كفنه من هذا المال.

فتقوا الله، عباد الله، حاسبوا أنفسكم لا تولوا هذه الأموال غيركم ممن لا يبالون في أي طريق تاجروا فيه أو اكتسبوا فيه تولوا أموالكم أنتم أو من تثقون به، واعتمدوا على الصدق والقناعة بما أحل الله، وليس لكم من هذه الدنيا أو من هذه الأموال إلا ما أكلتم فأفنيتم، أو لبستم فأبليتم، أو تصدقتم فأمضيتم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك فإنه لغيركم، وأنتم تحاسبون عنه يوم القيامة، واتقوا الله، في إنفاق هذا المال تجنب الإسراف والتبذير فكما أنك منهين عن البخل والشح فأنت منهين عن الإسراف والتبذير(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)،(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)،(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً).

فتقوا الله، عباد الله، اتقوا الله في أموالكم ولا تحملوا أنفسكم ما لا تطيقون، وإذا من الله عليكم بشيء من هذا المال من طرق حلال فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم المال الصالح للرجل الصالح ، ولكن عليكم أن تحسنوا التصرف فيه في الوجوه المباحة ووجوه الخير، وتجنبوا الإسراف والتبذير والفخر والخيلاء، فإنكم مسئولون أمام الله سبحانه وتعالى عن هذه الأموال، فإما أن تصابوا بها في الدنيا وتصبحوا فقراء معدمين، وإما أن تتحملوها على ظهوركم إلى الدار الآخرة وتحاسبون عنها إلا من اتقى الله وبر وصدق، فالمال مسؤولية عظيمة، فتقوا الله في مسؤوليتكم أعوذ باله من الشيطان الرجيم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراًبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله، وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، سلَّم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيَّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، وأحسنوا التصرف في اكتساب المال، وأحسنوا التصرف في إنفاقه، واستعدوا للمسألة فيه أمام الله سبحانه وتعالى كثير من الناس اليوم يتعاملون معاملات محرمة، فمنهم من يبيع الأشياء وهو لا يملكها ثم يمضي ويشتريها بعدما يبيعها، جاء حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله:الرجل يأتيني يريد البيع ليس عندي ثم امضي فأشتري له من السوق، قال صلى الله عليه وسلم: لا تبيع ما ليس عندك فيشترط أن يكون البائع مالك للمبيع قبل العقد، وأن يكون المشتري مالك للثمن قبل العقد، أو يكون في ذمته، أو يكون الثمن في ذمته، فيوفيه فيما بعد، بعض الناس يبيعون ما لا يملكون ويكذبون على الزبائن خصوصاً البنوك يأتيهم المستدين يريدوا نقوداً فيقولون له نحن نبيع عليك حديداً في ألمانيا، أو نبيع عليك حديداً في الإمارات، أو نبيع عليك طعاماً، أو قماشاً في كذا وكذا، لكن وكلنا نبيعه لك لأن ما عندهم شيء أصلاً ما عندهم شيء هذا كذب فيوكلهم ثم يقولون أتنا بعد كذا وكذا نعطيك الثمن، وهم في الحقيقة إنما أقرضه مالاً بزيادة وجعلوا هذا المال المسمى كذباً جعله حيلة، فليتقي الله هؤلاء ولا يخدعوا المسلمين باسم البيع، فقد جاء في الحديث أنه في آخر الزمان يستحلوا الناس الربا باسم البيع.

فتقوا الله، عباد الله، تجنبوا هذه المعاملة واحذروا منها وحذروا منها أخوانكم، لا تشتري إلا شيئا تراه أو يوصف لك وصفاً ينطبق عليه، ثم تقبضه لابد من قبضه بعد العقد، ثم تتصرف فيه، أمام أن يكون بيعاً صورياً مكذوباً فهذا خداع ومكر و(اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ).

فتقوا الله، عباد الله، كذلك في البنوك، وقد يكون عند التجار والمؤسسات من يكون عليه دين مؤجل، فإذا حل الدين قالوا له إما أن تسدد وإما أن نبيع عليك بيعاً آخر بثمن مؤجل وتسدد لنا الدين الماضي ويبقى ثمن المبيع في ذمتك، فهذا هو قلب الدين على المعسر أو على غير المعسر هذا هو قلب الدين وهذا هو ربا الجاهلية.

فتقوا الله، عباد الله، وكثير من المعاملات ليست على أصول شرعية.

فتقوا الله، عباد الله، وتتدبروا فيما تأكلون، وما تدخرون في بيوتكم.

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلٌ بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يدا الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شررنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ اجعل وليتنا فيمن خافك واتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفق اللَّهُمَّ إمامنا وولي أمرنا لما فيه صلاحه وصلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ وفقه لما فيه خير الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان وولي عليهم خيارهم يا رب العالمين، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)،فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.