حديث عظيم عن ليلة سبع وعشرين من رمضان.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذه الليلة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، هي من الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر، التمسوها في الأوتار"، والأوتار هي واحد وعشرون، ثلاث وعشرون، خمسة وعشرون، سبعة وعشرون، تسعة وعشرون، هذه هي أوتار العشر، وكل من العلماء اجتهد في ليلة من هذه الليالي الوترية يتحراها فيها، فمن العلماء من كان يتحراها في ليلة واحد وعشرين، ومنهم من يتحراها في ليلة ثلاث وعشرين، ومنهم من يتحراها في ليلة خمس وعشرين، ومنهم من يتحراها ليلة سبع وعشرين، وهذا هو الذي رجحه الإمام أحمد وجماعة من أهل العلم، أنها ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، وهذه الليلة كما قال الله جل وعلا فيها: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، وقال سبحانه وتعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وصفها بالبركة، (إنَّا كنَّا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم) يقدر فيها أعمال السنة، ما يجري في السنة فإنه يقدر في هذه الليلة المباركة، (فيها يفرق كل أمر حكيم). (ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، من كل أمر قدري، (سلام هي حتى مطلع الفجر)، فكلها مباركة، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فيها تقدر أعمال السنة، وهذا التقدير تقدير خاص يؤخذ من اللوح المحفوظ وهو التقدير العام الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق إلى أن تقوم الساعة، كتب فيه ما هو كائن وما يكون إلى أن تقوم الساعة، فهذه ليلة مباركة، وأرجى ما تكون في الأوتار من العشر، وأحراها ليلة سبع وعشرين، هذا الذي عليه أكثر من أهل العلم، وإن كان الأمر محتملا أنها في غيرها، وهذا يدل على بركة هذا الشهر، وكل لياليه ترجى فيها ليلة القدر، فليلة القدر لا تخرج عن هذا الشهر، هي فيه قطعًا؛ لأن الله جل وعلا قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر). وقال سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، فدل على أن هذه الليلة في شهر رمضان. فالمسلم يجتهد في هذه الليالي، يجتهد في الصلاة والتهجد، ويجتهد في الذكر والدعاء، والدعاء له خاصية في هذه الليلة، في ليلة القدر، فيجتهد المسلم في الدعاء في الصلاة وخارج الصلاة، في أمور دينه ودنياه، وفيما يخصه وفيما يعم المسلمين، لا يقتصر الإنسان في الدعاء لنفسه، وإنما يدعو لنفسه ولوالديه ولأقاربه ولجميع المسلمين، يعمم الدعاء، فضل الله واسع، وسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: أرأيت إن صادفت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنِّي"، فينبغي للمسلم أن يكثر من هذا الدعاء الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنِّي" وما تيسر معه من الأدعية، يجتهد المسلم في الدعاء، فإن الدعاء في هذه الليلة مستجاب بإذن الله، فهي ليلة عظيمة، ليلة شريفة، وليلة مباركة كما قال الله جل وعلا فيها، ليلة القدر سميت ليلة القدر؛ لأنها تقدر فيها الآجال والأعمار والأرزاق، وكل ما يجري في السنة والمواليد والوفيات تقدر فيها، فيجتهد المسلم أن يدعو الله أن يقدر له الخير، أن يقدر له ولإخوانه المسلمين الخير في هذه الليلة، والله جل وعلا قريب مجيب إذا صدق العبد مع ربه، ودعا الله بقلب حاضر، قال الله جل وعلا:(وإّا سألك عبادي عنِّي فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون). يدعو الله بصلاح دينه ودنياه، يدعو الله بجميع ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه، يدعو الله بأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل أعداء الدين، يدعو الله بأن يفرج عن المسلمين فإن الكفار الآن قد ضايقوا المسلمين وحاصروهم في كل مكان، واستطال شرهم على المسلمين، فما على المسلمين إلا أن يدعو الله أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، والدعاء هو أعظم أنواع العبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة، قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).

(قال ربكم)، هذا فيه تعظيم الدعاء، وأن الله أمر به، (ادعوني)؛ لأن هذا الدعاء عبادة لله عز وجل، (استجب لكم)، وعد الله بالإجابة وهو لا يخلف وعده، ولكن يجب على المسلم أن يجتهد في الدعاء وأن يخلص الدعاء(فادعوا الله مخلصين له الدين) أن يخلص في الدعاء، يخلص النية، وأن يدعو بقلب حاضر، وأن يتوب إلى الله من السيئات، والذنوب، والمظالم، إذا كانت عنده مظلمة للناس يتوب إلى الله ويؤدي للناس حقوقهم، ويطلب منهم المسامحة، فهذه الدنيا زائلة عمَّا قريب، والعمر منتهي، ولن تخرج منها إلا بما قدمت يداك، (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا).