حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد فالآثار أنواع:

أولا: الآثار عند المحدثين

يراد بها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الشريفة ويطلق عليها اسم السنة وتأتي في المرتبة الثانية في الاستدلال بعد القرآن الكريم وتطلق الآثار أيضا على ما ورد عن السلف الصالح من اجتهادات وأقوال في الأحكام الشرعية وهذه الآثار النبوية والأقوال والاجتهادات السلفية تجب العناية بها والاحتفاظ بها فهي مصادر الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم. وقد اعتنى بها العلماء حفظا وضبطا ورواية وتفقهوا في معانيها. وسموا ذلك بفن الأثر أو علم الأثر وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة من السنن والصحاح والمسانيد والآثار . وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به من الكتاب والسنة بالغيث النازل على الأرض فمنهما طائفة حفظت الماء وأنبتت الكلأ وهو العشب فارتوى الناس من مخزونات مياهها ورعوا من كلنها وذلك مثل العلماء الحفاظ الفقهاء. ومنها طائفة أمسكت الماء ولم تنبت كلئها لأنها أجادب فارتوى الناس من مخزون مياهها وهذا مثل الحفاظ غير الفقهاء. وفي كلا الطائفتين خير. وطائفة ثالثة لم تمسك ماء ولم تنبت كلئها وهذا مثل من لم يقبل هدى الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع بذلك رأسا.

ثانياً: الآثار عند المؤرخين الجغرافيين الذين يحددون الديار والأقاليم ويؤلفون فيه المؤلفات مثل معجم البلدان لياقوت الحموي وصفة جزيرة العرب للهمداني وصحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار فإن كانت هذه الآثار تتعلق بها أحكام شرعية أو أحداث تاريخية أو جاء ذكرها في أشعار العرب شواهد للغة العربية فهذه الآثار يستفاد منها تاريخيا ولغويا وغير ذلك وكان الشعراء يتغنون بها في أشعارهم تذكرا لعشيقاتهم الساكنة فيها فيفتحون بها قصائدهم مثل معلقة امرئ القيس في وقوله:

 قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل          بسقط اللوى بين الدحول فحومل

وقال لبيد:

عفت الديار محلها فمقامها                بمنى تأبد غولها فرجامها

وقال النابغة:

يا دامية بالعليا فالسند                   أقوت وطال عليها سالف الأمد

وقال الأعشى:

ودع هريرة إن الركب مرتحل      وهل تطيق وداعا أيها الرجل

وقال عنترة:

هل غادر الشعراء من متردم          أم هل عرفت الدار بعد توهم

 

ثالثاً: الآثار السياحية التي صارت مرفقا اقتصاديا من مرافق بعض الدول وهي محل بحثنا وهذه الآثار أقسام:

1- منها آثار الأمم الهالكة المعذبة. مثل ديار ثمود بالحجر قال تعالى فيها (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)  [النمل:52]. وآثار عاد بالأحقاف. وهذه الآثار ينظر فيها للعظة والاعتبار كما قال تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ* أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: ٤٥ – ٤٦] ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم بديار ثمود في طريقه لغزوة تبوك قال لأصحابه: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل أصابهم) فنحن لا ننظر إليها نظر إعجاب ونفتخر بها أو ننظر إليها اقتصادياً كما تفعل الدول غير المسلمة أو المسلمة المقلدة لها لأن هذا يخالف ما جاء به ديننا نحوها من عدم العناية بها وحمايتها فضلا عن استثمارها. ولا تجوز الإقامة فيها ولا فتح مشاريع استثمارية فيها من مطاعم ومقاه وفنادق مما يرغب في زيارتها ويجلب الكفار السياح إلى بلاد المسلمين.

2- ومنها آثار جاهلية مما قبل الإسلام فإذا كانت هذه الآثار أمكنة عبادة الجاهلية فنحن مأمورون بطمسها وإتلاف معالمها حفاظا على عقيدتنا من الموروث الجاهلي الذي يجر إلى الشرك وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسر الأصنام وإتلافها وإزالة معالمها ونهى عن إحيائها ومشابهة أهلها. ومن ذلك لما سأله رجل نذر أن ينحر إبلاً ببوانة اسم موضع قريب من رابغ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد، قالوا:لا، قال:هل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا:لا، قال: أوف بنذرك. فانه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم) ولا يجوز الاحتفاظ بهذه الأصنام أو بأجزائها أو التنقيب عنها أو جلبها من بلاد الكفار كما فعل عمرو بن لحي لما جلب الأصنام من بلاد الشام إلى أرض الحجاز وغير دين إبراهيم وأمر بعادتها من دون الله.

3- وإن كانت هذه الآثار الجاهلية ليست من أعلام دين المشركين. وإنما هي مساكن ومرابع لهم فإنها تترك ولا يعتني بها ولا ترمم حتى تندرس وتذهب كسائر الخربات.

4- وإن كانت هذه الآثار مساكين للمسلمين وقد تركت وهجرت واستغنى عنها فأنها تترك ولا يلتفت إليها ولا تكون ذات أهمية دينية ولا دنيوية ولا تنزع ملكيتها من أهلها.

5- وإن كانت هذه الآثار لها ارتباط بالصالحين كمساجدهم ومجالسهم وسائر استعمالاتهم وقد خرجت وهجرت فلا تجوز العناية بها وإحياؤها لأن هذا يفضي إلى الشرك بالتبرك بها والاعتقاد بأصحابها كما حصل لبني إسرائيل لما تتبعوا آثار أنبيائهم وصالحيهم فآل بهم ذلك إلى الشرك. ولما رأى عمر رضي الله عنه قوما يذهبون إلى شجرة بالحديبية يزعمون أنها الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان ليصلوا عندها أنكر عليهم وأمر بقطع الشجرة. ومن باب أولى المساجد القديمة المهجورة كمسجد علي كما يسمونه في خيبر ومثل المساجد السبعة في المدينة ومسجد الكوع ومسجد عداس في الطائف لا تحيى هذه المساجد ولا تزار كما لا يبني على آثار الصالحين ولا على قبورهم مساجد. فقد لعن صلى الله عليه وسلم زوارت القبور والمتخذين عليه بالمساجد والسرج وأخبر أن من فعل ذلك فهو من شرار الخلق عند الله فلا يجوز للمسلمين أن يعملوا عملهم وتشبهوا بهم لأن ديننا يمنع من ذلك. وقد قامت الآن منظمات دولية تعتني بهذه الآثار وتحييها وتحافظ عليها ويقلدهم بعض جهلة المسلمين فاشتركوا في هذه المنظمات وعلى ولاة أمور المسلمين أن يمنعوا ذلك ويطهروا بلادهم منه وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ* مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)  [الروم: ٣١ – ٣٢]. ولا نعتز بها ولا نفتخر بها ونقول إنها تربطنا بالماضي كما يقولها الجهال بل نعتز بديننا ونتمسك به فقد أغنانا الله عن كل ما سواه وفي الاعتزاز بغيره ذلة وهوان كما قال عمر أمر المؤمنين (نحن أمة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله) ولا نرتبط بالجاهلية بأي رباط وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من كل ما يرتبط بالجاهلية. وفق الله الجميع للتمسك بدينه والبعد عن كل ما يخل به.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

كتبه

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء

1433/04/05هـ

صورة للمقال