قبول العمل الصالح


قبولالعمل الصالح

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، أمر بتوحيده، وطاعته، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا لعبادته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من بررته صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه على ملته وسلم تسليماً كثيراً   أما بعد

أيها الناس، اتقوا الله سبحانه وتعالى وبادروا بالأعمال الصالحة، فإنها هي رأس مالكم من هذه الدنيا، وهي ثمرة أعمالكم، وهي سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، فبادروا بالأعمال، ولتكن أعمالكم صالحة خالصة لوجه الله قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ)، وقال سبحانه وتعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم*وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، فلا نجاة يوم القيامة من النار، ولا طمع في دخول الجنة إلا بسبب العمل الصالح، والعمل الصالح ما توفرت فيه شرطان لا يقبل بدونهما:

الشرط الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله، لا ليس فيه شركٌ أكبر ولا أصغر، فالشرك الأكبر بدعاء غير الله، والاستغاثة بالأموات، تقرب إلى الأضرحة فالشرك الأكبر من هذه الأنواع وغيرها يحبط جميع الأعمال كما قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ* بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ)، وأما الشرك الأصغر وهو الرياء أو منه الرياء فإنه يُحبط العمل الذي وقع فيه، وهو الذي تخوفه الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسأل عنه فقال: الرياء ، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه، وللحديث يقول الله تعالى يوم القيامة للمرائين اذهبوا إلى الذين كنت تراؤونهم في الدنيا، هل تجدون عندهم جزاءاً .

وأما الشرط الثاني لصحة العمل وقبوله: فهو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، يتجنب المسلم البدع والمحدثات لأن الشريعة كاملة ولله الحمد لا تحتاج إلى إضافات وإلى محدثات قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ، وفي رواية من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ، والبدعة ما يتقرب به إلى الله، وليس له دليل من كتاب الله ولا من سنة رسول الله هذا هو البدعة سواء أحدثها هو من احدث في أمرنا هذا  ما ليس منه فهو رد ، أو أحدثها غيره وعمل بها لقوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ، ويتضمن الشرطين قوله تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) هذه هو الإخلاص، (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أي أخلص العمل له من الشرك الأكبر والأصغر (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي متبع للرسول صلى الله عليه وسلم فليس في عمله بدعة، ولا محدثات (َمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).

اتقوا الله عباد الله، وعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولكن برحمة الله، فالعمل سبب لدخول الجنة ، فلن تدخلوا الجنة إلا بسبب بالأعمال الصالحة، فمن ليس عنده عمل لا يدخل الجنة، من عنده عملٌ مخلوط بالشرك الأكبر فلن يدخل الجنة (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، ومن عنده عمل فيه شرك أصغر فلن يدخل بهذا العمل الجنة الذي خالطه الرياء وخالطه الشرك الأصغر لن يدخل به الجنة، لكن إن كان له أعمال صالحة أخرى فإنه يرجى له دخول الجنة لكن مع نقص فيه.

اتقوا الله عباد الله، وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل، ثم اعلموا أنه لا بد من الاستمرار على العمل الصالح إلى الوفاة قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) إلى أن يأتيك الموت، فليس لعمل المسلم غاية ونهاية دون الموت، فحافظوا على أعمالكم الصالحة وداوموا عليها إلى أن تلقوا ربكم سبحانه وتعالى بها، فإنها سبب نجاتكم، وفلاحكم يوم القيامة، أما هذه الدنيا أموالها وزينتها فإنها ذاهبة لا يبقى معكم إلا العمل التي تخرجون به من هذه الدنيا سوءاً كان عملاً صالحاً أو كان عملاً سيئ، والله جل وعلا أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله طيبُ ولا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ملحًا على الله سبحانه وتعالى، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام فأنا يستجاب لذلك ، ولهذا قال (كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ)، (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، والطيب هو الحلال، وأما ما سوى الحلال فإنه حرام وخبيث يمنع قبول الدعاء كما في هذا الحديث الصحيح.

اتقوا الله عباد الله، واسألوه الثبات إلى الممات، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا    أما بعد

أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام ذي العروة الوثقى، واعلموا رحمكم الله أنه لا يكفي من الإنسان أن يكون صالحاً في نفسه، بل لا بد أن يعمل على إصلاح غيره من أهله وأولاده، وإخوانه المسلمين بأن يدعوا إلى الله على بصيرة، أن يُعلم الجاهل، ويُذكر الغافل، أن يعمل على نجاة إخوانه، بكل وسيلة قال تعالى في سورة العصر (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ولم يقف عند هذا بل قال: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،  فالإنسان مسؤول عن نفسه ومسؤول عن غيره لا سيما أهل بيته من أولاده، ونسائه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، لم يقتصر على قوله (قُوا أَنفُسَكُمْ)، بل أمر بوقاية الأهل (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ)، (قُوا أَنفُسَكُمْ) وقوا (َأَهْلِيكُمْ) من النار.

فعلى المسلم أن يقوم بهذا الواجب عليه، ولا ينسى من ولاه الله عليهم، ومن هو راعي عليهم من أهل بيته، والأقربين إليه (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، ثم يتمدد خيره إلى أخوانه المسلمين، فيكون داعياً إلى الله، يكون آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، هذا هو المسلم الذي يعمل على نجاة نفسه وعلى نجاة أهله وإخوانه.

فاتقوا الله عباد الله، وعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وعليكم بالجماعة كونوا مع جماعة المسلمين تنجوا من الفتن والشرور، تنجوا مما وقع فيه الكثير الآن مما حولكم من الفتن والشرور وضياع الأمن، وشُح الأرزاق، والفتنة التي لا تنتهي إلا بالرجوع إلى كتاب الله، وسنة رسول الله، ولزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين فاتقوا الله عباد الله، عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وأمركم به قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أرادنا وأراد  الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه وأردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللهم أحفظ أمننا، وديننا، واستقرارنا في أوطاننا، وأصلح سلطاننا،وصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح بطانتهم وبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.