معنى الإحسان


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين أمر بالإحسان، وأخبر أنه يحب المحسنين، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثير،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله سبحانه أمر بالإحسان وأخبر أنه يحب المحسنين وأنه مع المحسنين قال تعالى:( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وقال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) والإحسان معناه في اللغة إتقان الشيء وإتمامه وأما الإحسان في الشرع فهو في مقابل الإساءة قال تعالى:( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والإحسان يكون فيما العبد وبين ربه بعبادته وحده لا شريك له مخلصاً له الدين وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) وقال سبحانه:( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والإحسان في عبادة الله يكون بإخلاصها لله عز وجل فلا يدخلها شرك ولا ريا ولا سمعة ويكون أيضاً بإتقانها على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يكون فيها بدعة ولا إحداث يبين هذا قوله صلى الله عليه وسلم: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي أن تعبد الله سبحانه على وجه اليقين والإيمان الصادق حتى كأنك ترى الله سبحانه وتعالى فتحسن العبادة بين يديه وتتقيه وتستحي منه وتذل بين يديه سبحانه وتعالى أن تعبد الله كأنك تراه لأن الله سبحانه وتعالى لا يرى في هذه الدنيا بالأبصار لا يرى في الأبصار في هذه الدنيا وإنما يرى في القلوب يرى سبحانه وتعالى في القلوب وذلك بقوة الإيمان واليقين واستحضار عظمة الله سبحانه وتعالى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي إذا لم تبلغ هذه المنزلة الرفيعة فعبد الله اعلم انه يراك سبحانه وتعالى ويرى تصرفاتك ويعلم ما في قلبك وما في نيتك فأحسن العمل لله سبحانه وتعالى، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه يعني إذا لم تبلغ هذه المنزلة فاعلم أنه يراك سبحانه وتعالى وهو مطلع عليك فإذا علمت ذلك أحسنت العمل له وأتقنته وخف منه سبحانه وتعالى هذا هو الإحسان فيما بين العبد وبين ربه، والإحسان أيضاً إلى المخلوقين الإحسان بعد الإحسان فيما بين العبد وبين ربه يأتي الإحسان بين العبد وبين المخلوقين وأول ذلك: الوالدان والأقارب واليتامى والمساكين قال سبحانه وتعالى:( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) وهذه الآية تسمى آية الحقوق العشرة لأن الله سبحانه وتعالى ذكر فيها عشرة حقوق بدأ بحقه سبحانه وتعالى ثم بحق الوالدين ثم بحق الأقارب إلى بقية الحقوق المذكورة فيها وهذا من الإحسان بين العبد وبين المخلوقين، كذلك يكون الإحسان إلى الناس حتى فيمن يستحق العقوبة فتطبق عليه العقوبة بإحسان من غير إسرافٍ ومن غير تساهل، وكذلك حتى في ذبح البهائم التي تذبح للأكل قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ، فإذ كان أحد يستحق القتل إما بقصاص وإما بحد من حدود الله فإنه يقتل على الصفة المريحة التي ليس فيها تعذيب وليس فيها تمثيل وإنما يقتل بآلة حادة ويسرع في إزهاق روحه ولا يعذب ولا يحبس ولا يصبر عند القتل وإنما يبادر بقتله ويراح ولا يصبر بمعنى أنه يوضع للقتل ثم يتأخر في قتله ولا تستعمل الآلة الكالة التي تعذبه هذا فيمن يستحق العقوبة، وكذلك البهائم يا عباد الله، فإنها تحس وتتألم فعليكم بالإحسان إليها عند ذبحها قال صلى الله عليه وسلم: وليحد أحدكم شفرته أي السكين وليرح ذبيحته فلا يذبحها بآلة كالة تعذبها ولا يسي في قطع حلقومها ومريئها وإنما يجهز عليها بسرعة، وكذلك لا يذبحها بحضرة أختها بحضرة بهيمة أخرى بل يذبحها في مكان منعزل ولا ترى البهائم بعضها بعضا وهي تذبح لأن هذا من التعذيب وهي تحس وتتألم.

عباد الله، والناس مع البهائم يسيئون إليها خصوصاً في نقل البهائم في المركبات البحرية والمركبات البرية يسيئون إليها ويحشرونها في مركبة وصناديق ضيقة تتألم من الضيق ولا تعلف ولا تسقى مدة أيام تتعذب وتتألم وهي لا تتكلم وإنما الله جل وعلا يعلم صنيع بني آدم فيها، فعليكم أن تحسنوا إليها غاية الإحسان لأنها مثلكم تتألم وتتحسر فعليكم بالإحسان إليها، قد غفر الله جل وعلا لبغي من بني إسرائيل وهي الزانية نزلت تشرب من البئر فلما صعدت من البئر رأت كلبا على شفير البئر يلهث من العطش فنزلت إلى البئر وأخذت له الماء وسقته فشكر الله لها ذلك وغفر لها.

فتقوا الله، عباد الله، ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وكذلك من الإحسان، الإحسان في الصنعة بأن يتقن الإنسان ما يصنعه يتقن ما يصنعه ولا يغشه ولا يقصر في إتقانه فإن في الحديث: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يحسن عمله أو أن يتقن صنعته ، فالإحسان مطلوب في كل شيء.

فتقوا الله، عباد الله، ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى،   واعلموا أن الإحسان ليس مقصوراً على من أحسن إليك فمن احسن إليك فأحسن إليه هذا مطلوب قال الله سبحانه وتعالى:( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) وقال سبحانه وتعالى:( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فالإحسان إلى من أحسن إليك  هذا أمر واجب عليك وقال تعالى في قصة قارون:( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ) وقال عليه الصلاة والسلام: من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجد ما تكافئونه فدعوا له حتى تروا أن قد كافأتموه ولكن كذلك الإحسان إلى من أساء إليك تقابل السيئة بالحسنة قال تعالى:( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

ثم اعلموا عباد الله، أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة،

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين اللهم أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم وولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم اجعل وليتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم وهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.